أكيد أن في الأمر إنّ. أتكلم هنا عما يمكن تسميته بفضيحة بريطانيا غيت، وإلا فما الذي جعل نائبا بريطانيّا يثير الموضوع في برلمانهم وتكتب عنه صحيفة الغارديان؟ إلا أني غير متأكد من شيء، ومتأكد من شيء آخر.
أما ما لست متأكدا منه فهو القائمة التي يروّجها البعض حول أسماء بعض الصحافيين التونسيين الذي قد يكونون اشتركوا في الحملة الترويجية ليوسف الشاهد بتمويل بريطاني. أصل إلى حد التضامن مع كل من ينفي منهم صلته بالموضوع. نعم وأندّد بكل من يلجأ إلى التشويه والإشاعة والمغالطة سواء في هذه المناسبة أو في غيرها، وضد أي طرف كان.
وأما ما أنا متأكد منه حدّ البداهة، فهو أن التدخل الأجنبي في الشأن التونسي أمر معلوم ولا يتطلب للتدليل انتظار تدخل النائب البريطاني المحترم الحريص على مالية بلاده، وعلى أية حال فبريطانيا ليست بعيدة عن الموضوع، وهي لها تجربة في الميدان تقارب القرنين، وما قنصلها ريتشارد وود في أواسط القرن التاسع عشر إلا خير مثال على ذلك.
وهي من جهة أخرى ليست البلد الوحيد الذي يموّل ويفسد الصحافيين والسياسيين وسائر الناشطين في المجتمع المدني. قائمة طويلة عريضة من البلدان الصغيرة والكبيرة تحشر نفسها في الشأن التونسي للتأثير على الأحداث، ورائحتها تستطيع أن تشمها من خلال ما يكتب بعض الصحافيين عندنا.
ما أنا متأكد منه كذلك هو أن التاريخ لا يرحم. بمعنى أن الذين يتعاملون مع تلك البلدان سيُكْشف عنهم ذات يوم، عليهم أن لا يتوّهموا أن التعامل تحت الطاولة، القصد منه سترهم، كلا فمن يدفع لهم الأموال يحرص على أن تكون لديه مؤيدات يسلّمها لمن يشغّله ويشغّلهم.
بمعنى إذا لم يقع الكشف عن تلك الأسماء اليوم، فغدا. وفي كل الحالات ستحتفظ الأرشيفات الأجنبية بكل من تعامل مع تلك الجهات، ولو كنّا في زمن آخر لقلنا إن الأرشيفات يقع الكشف عنها بعد عقود، وأما اليوم فقد يحدث ذلك في زمن أوجز بكثير. والأكيد في هذا المجال أن الأمر لا يقف عند أرشيفات البلدان التي تعاملوا معها وإنما الأرشيفات التي تنتجها مخابرات البلدان الأخرى أيضا.
وفي كل الحالات، كانت اللعنة تلحق بالعملاء وهم تحت التراب، فتعفّر وجود أبنائهم وأحفادهم، وأما اليوم، فقد تلحقهم وهم مازالوا على قيد الحياة، حتى وهم في أرذل العمر، فلا يستطيعون الردّ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.