لا أحد منهم أطلق اسمه على شارع أو ساحة أو نهج جانبي. لا أحد منهم تحتفظ باسمه الذاكرة الوطنية ولا حتى ذاكرة النقابيين. جحفل من الشهداء مروا كأنه من الطبيعي أن يموتوا، وأن يسقطوا من الذاكرة مثلما سقطوا بالرصاص أو مثلما حاصرتهم ميليشيا الحزب الاشتراكي الدستوري..
كم سقط من شهيد في ذلك اليوم المشهود؟ لا أحد يعرف على وجه الدقة. السلطة نفسها لم تكن دقيقة في الأرقام التي أوردتها، إذ تحدثت عن 51 قتيلا، حيث لم تكن تسميهم شهداء، ولكنها نشرت قائمة تضم 53 اسما. وعندما نكون إزاء أرواح بشرية قد أزهقت فالفارق بإثنين ليس عددا بسيطا، فوراء كل واحد منهما كانت آمال وأحلام بالألوان وزغاريد، ثم انتهى كل ذلك ببكاء ودموع ونواح. وذلك يهم 53 عائلة بأكملها، هذا إن صدقنا السلطة التي عادة ما تُخفّض في أعداد ضحاياها ظنا منها أن ذلك يخفف من مسؤوليتها أمام التاريخ. بل أنها لم تقف عند ذلك وإنما رمت مسؤوليتها على القيادة النقابية فزجت بها في السجون وأصدرت عليها الأحكام الثقيلة.
ومنذئذ لم يطالب أحد بمعرفة الحقيقة بما في ذلك اتحاد الشغل. ولم تقع المطالبة بالتحقيق ولا محاكمة القتلة، بل ولم يطالب أحد من النقابيين أو غيرهم بفتح ملف 26 جانفي ولا الكشف عن أرشيف البوليس، ولم يفكر أحد في تكريم الشهداء ولا إقامة نصب تذكاري لهم. وما كان ليتم ذلك في عهد الحبيب بورقيبة، ولا في عهد الجنرال زين العابدين بن علي الذي كما نعرف كان يتولى مهمة المدير العام للأمن الوطني، والذي من الأكيد أنه بعد استحواذه على السلطة لم يترك أثرا يدل على ما فعله في ذلك اليوم المشهود. ولا كان يسمح لأحد بأن يهمس بالجريمة التي ارتكبها، وما كان ليجرؤ على القيام بذلك.
جريمة بدون عقاب. وهل يستطيع المؤرخون أن يقتفوا آثار المجرمين المحترفين الذين تمكنوا من كل الوقت حتى يعدموا آثار جريمتهم، وينظفوا زوايا الذاكرة؟ وهل يستطيع المؤرخون حقا أن يحققوا في الأمر بكل مهنية؟ بل هل بإمكانهم في غياب الوثائق التي أعدمت أن يتجاوزوا طرح الأسئلة والفرضيات؟ وحتى لو كتبوا فما أهمية ما قد يحبرونه بالنسبة لمن تيتموا أو بالنسبة لمن ترملن وبالنسبة لكل من تضرروا وتألموا؟
يكفي أن ذلك الخميس الأسود لم يكن كمثله يوم سابق في تاريخنا المعاصر. حتى في عهد الاستعمار البغيض، لم يسبق للتونسيين أن سقطوا في يوم واحد بمثل ذلك العدد. 29 استشهدوا في 5 أوت 1947 الذي يحييه النقابيون سنويا منذ زمن فرحات حشاد. 23 شهيدا سقطوا في أحداث 9 أفريل 1938، هذا اليوم الذي اتخذ بعد الاستقلال عيدا للشهداء. فهل أبلغ من لغة الأرقام هنا حتى لو اعتمدنا الأرقام الرسمية التي تورد 53 اسما غادر أصحابها الحياة قسرا ذات 26 جانفي، 50 منهم بالرصاص الحي؟ آه صحيح سقط في 3 جانفي 1984، في ثورة الخبز، 82 شهيدا حسب التحقيق الذي أجرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
ملحق : قائمة شهداء 26 جانفي:
إبراهيم بن غربال
إبراهيم بن مصطفى بن صالح شهر كبادنية
أحمد بن حسين الرزقي
جمال الدين بن العربي بوترعة
جمال الدين بن عمر الوصيف
جمال بن عبد الرزاق العزيزي
جمال بن عبد العزيز الشامخ
الحبيب بن الحبيب حشيشة
حسن بن خليفة الهمامي
حسين بن محمد بن جمعة سهيل
الخذيري بن محمد بوقرة العلوي
رضا بن يوسف شكيوة
سليمان بن يوسف الزيدي
شكري بن محمد المبروك
صالح بن خميس بن صالح المبروك (جندي)
صالح بن خميس ثامر
صالح شبيلي
عادل بن أحمد الحمادي
عبد الحفيظ بن صالح البوغانمي
عبد الستار بن الزين بن صالح القادري
عبد الستار بن صالح الميساوي
عبد الله بن سالم بوزيان
عبد المؤمن بن صالح بن أحمد عرفة
عثمان بن سليمان بن عبد الله الإينوبلي
العجمي بن أحمد الجوادي
علي الجلاصي
علي بن بوبكر العياشي
علي بن عبد الله عمري، شهر فنيش
عمار بن البشير منصور
عمار بن عمر الزمالي
لطفي الشيبوني
لطفي بن البحري
لطيفة بنت المبروك بن محمود
محرز الكسراوي
محسن بن محمد الدريدي
محمد الطاهر علية المدوري
محمد الهادي الوسلاتي
محمد الهادي بن سمير
محمد بن عبد الرؤوف بوغنية
محمد بن عبد الله الماجري
محمد علي المثلوثي
محمد نجيب اليوسفي (من باجة)
محيي الدين بن رشيد تليل
مصطفى بن محمد الطاهر الشمسي
المنذر بن إبراهيم شعبان
المنذر بن حسن قزونة
المنصف بن صالح المطماطي
منصور بن سالم البوغانمي
الناصر بن إبراهيم ورغي
نور الدين بن العروسي الفزاني
نور الدين بن حسن بن إبراهيم الجندوبي
الهادي بن محمد الشاذلي العياشي
ياسين بن حمزة القرماسي