الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف بالقيروان، كانت دائما تتخذ أشكالا تختلف عن ما يتم في بقية بلادنا، فمن خلالها تتذكر المدينة بل وتستعيد بعض الوقت دورها كعاصمة الإسلام الأولى في الشمال الإفريقي، لم يمنعها من ذلك مانع، ولم يُثنها تراجعها من المدينة الثانية إلى الرابعة أو الخامسة في ظرف قرن تقريبا.
كانت تتصرف كعاصمة إذ يبدو من الصعب على العواصم القديمة أن تفقد روحها أو تغادر أماكنها، وهو ما يجعل الجميع يسلمون في آخر الأمر بالأمر فيتقربون منها ويتزلفون إليها، كان هذا قبل الاستقلال وبعده، في العهد البورقيبي وفي العهد النوفمبري، ومع ذلك لا ننسى أنها أول من احتجت على بورقيبة وانتظمت بها أول مظاهرة في عهد الدولة الوطنية.
في هذه السنة، اتخذ الاحتفال بالمولد شكلا وحجما مميزين، بما جعله حدثا متعدد الأبعاد، قد يرى البعض فيه جانبه الاقتصادي أو السياحي أو الديني أو حتى الفولكلوري، وكل ذلك جائز، إلا أنه بالنظر إلى السياق التاريخي الحالي يعتبر في اعتقادي رد فعل شعبيا على اعتداءات متكررة، جانب منها -على الأقل- متأت من نخبة تدور حول نفسها وهي تتوهم أنها تتقدم، ولذلك فالاحتفال هذه السنة يعتبر رسالة لمن ألقى السمع، وأذانا لمن يسمعون حتى وإن صمّ البعض منهم آذانهم.
بمعنى أن القيروان تتجلى في مولد هذه السنة في مطلع تونس العميقة، ملجأ لمن يعتصمون بسورها ويستحضرون روحها، حيث تزهو بإمكانياتها في انتظار وعود لم تأت أو نصوص تم الالتفاف عليها.