كتيبة الإعلام عندما تغيب..

Photo

الخلافات داخل نداء تونس حتى ولو وصلت إلى السباب والخنيفري، فإنها تعتبر من نوع القطار الذي يصل في وقته أو الكلب الذي يعضّ رجلا. هذا ما نفهمه من التناول الإعلامي لما جرى في آخر اجتماع لكتلة نداء تونس البرلمانية في سوسة يوم غرة أكتوبر.

لأول وهلة يبدو أن ما جرى لا يستحق اهتمام الإعلاميين الأشاوس، باعتباره ليس من قبيل الرجل الذي عضّ كلبا. وبالفعل فإن التناول المختلف قد يكون بسبب تكرار ما يقع من أحداث من هذا القبيل، حتى أنه أصبح من العادة بالنسبة إلى اجتماعات النداء أنها قلما تنتهي بدون النطاح والصياح. نتذكر اجتماع الحمامات الشهير الذي أفضى إلى الانشقاق الأول، وها هو اجتماع سوسة، ربما يفضي إلى الانشقاق الكبير الثاني. وربما عليهم التفكير -من الآن فصاعدا- في عدم الاجتماع أصلا، حتى يتجنبوا ما يحدث بينهم كلما التقوا.

والحقيقة بالنسبة إلى اجتماع سوسة، أن الصورة بالكاد تتضح حول ما وقع فيه، وإن كان من المؤكد وجود تصريحات وتصريحات مضادة. تأكيدات وتكذيبات، تشنجات، مشادات كلامية، انسحابات وتهديدات بالاستقالة وبتجميد العضوية إذا... الخ. وأكثر إذ تسرّب أن الاجتماع شهد "حالة من الفوضى وتشنّج وصل إلى حد المشادات الكلامية و التشابك بالأيدي" وورد أيضا حديث عن "التراشق بالتّهم والتّشكيك في نزاهة ونظافة يد بعض النواب ومن بينهم رئيس الكتلة سفيان طوبال". هذا كلام يقولونه عن بعضهم البعض، وقد نسوا تماما الشعارات الرنانة عن إنقاذ الوطن، وهيبة الدولة، والبرامج والمخططات والوعود والحداثة والدفاع عن النمط والكفاءات.

غاب كل ذلك، وغاب التشدق بالديمقراطية، بسبب ما قد يثيره ذلك من سخرية، وحضر فقط الصراع وحتى القتال، ومن أجل ماذا؟ هذه المرة على رئاسة كتلة نداء تونس، وهو ما يعني أنه صراع على الكرسي، وعلى ما وراءه من مصالح شخصية وعائلية، مادية ومعنوية، والسخرية أن هذه التهمة نفسها كانوا يوجهونها إلى الأحزاب المنافسة لهم، فإذا بهم أفضل من تنطبق عليهم.

عندما أراهم على هذه الحالة أزداد يقينا بمدى ما ألحقه النظام النوفمبري من ضرر لم يصب شرره وشروره المعارضين فقط، وإنما أيضا المنظومة نفسها، بما في ذلك التجمع المنحل. وإلا فأي فضاء لم يجرفه التخريب؟ وها هم يشهدون على بعضهم البعض. خراب مس الأخلاق والقيم.

وفي خضم ذلك لم تبق واقفة على قوائمها إلا كتيبة الإعلام الوهابي والدليل تغطيتها لما جرى في اجتماع سوسة نفسه. وإلا تصوروا فقط لو أن أحد أحزاب الأعداء أقصد الأحزاب المنافسة، شهد عُشر ما شهده اجتماع سوسة، كيف كانت ستتصرف وسائل الإعلام العمومي؟ يكفي أن نتذكر هنا البلاتوهات التي كانت تنتظم حول إشاعة أو فيديو مفبرك أو لمجرد ليّ عنق الحقيقة. إلا أن كتيبة الإعلام حتى وإن بينت إلى حد الآن قدرتها على الصمود، فهي بالتأكيد لا يمكنها أن تسدّ طيلة كل الوقت دور بقية الكتائب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات