قصف المدارس وقصف العقول

Photo

الذي يقرأ تعليقات البعض دفاعا عن روسيا أو تصديقا لها في عدم قصف مدرسة بريف إدلب في سوريا، قد يذهب به الظن إلى أن الطيران الروسي غير موجود أصلا هناك، أو أنه لا يسيطر على سماء سوريا، وليست له أنظمة رادار يرصد بها كل طائر يطير، أو لم يسبق له أن قصف مستشفيات أو قتل مدنيين، أو حتى قصف مدارس.

ومع ذلك شخصيا أصدّق الروس في ما قالوه هذه المرة حول عدم قصف المدرسة، وإن كان استدلالهم على ذلك بصورة جوية لا يمكن أن يعتبر حجة على أنهم لم يقصفوها، فلا شيء يدل حقيقة على أن تلك الصورة أخذت بعد القصف وليس قبله. وإنما أصدقهم لأنه سبق لهم أن قصفوا المستشفيات في حلب وبتعمد وإصرار شديدين، ولم ينفوا عنهم ارتكاب تلك الجرائم، ولم ينشروا صورا للمستشفيات كي يبينوا أنه لم يمسسها طيرانهم. بل أكثر من ذلك لم يسبق لهم أن كذبوا تيرانا حسن، إحدى مسؤولات منظمة العفو الدولية عندما قالت في فيفري الماضي إن طيرانهم استهدف من بين ما استهدفه أكثر من 27 مدرسة خلال الشهور الأربعة الأولى من وجودهم بسوريا.

ومن المنطقي حينئذ أن من قصف ذلك العدد من المدارس لا يضيره أن يقصف مدرسة إضافية؛ ولو كانوا هم من قصفوها، ما كان يهمهم أن يصمتوا عن التعليق أو الرد ككل المرات السابقة. وإذ لم يفعلوها هذه المرة، فيهمهم أن يقولوا إنهم لم يفعلوها. إلا أن تبرؤهم هذه المرة، لا ينقص من جرائمهم شيئا كثيرا، وإلا فهل بإمكانهم أن ينشروا صورا جوية لمدارس حلب الشرقية مثلما نشروا صور مدرسة ريف إدلب؟

فوق ذلك، ما هو الفرق حقيقة بين قتل 22 طفلا أو حتى طفل واحد وهو على مقاعد المدرسة، أو قتل مريض أو مرضى على سرير مستشفى وقد يكونون هم أيضا أطفالا، أو قتل طفل أو أطفال في أحضان أمهاتهم في ملاجئ تحت الأرض؟ وهل الطيران الذي قتل بعضهم يستحق الدفاع عنه أو وضع النياشين والأوسمة على الكتفين؟

إلا أن إنكار الروس لقصف المدرسة يتضمن تسترا واضحا على مجرم. ذلك أننا نعرف أنهم يسيطرون على سماء سوريا ويعرفون كل ما يطير في أجوائها حتى ولو كانت طائرات بلا طيار، وحينئذ لو كان المجرم عدوا لما ترددوا في الإشارة إليه والتنديد به. نتذكرهم بالمناسبة يوم قصفت الطائرات الأمريكية موقعا عسكريا للنظام في دير الزور. فما بالك لو كان المستهدف -كما هو الحال هذه المرة- مدرسة بأطفالها؟

وهو ما يعني أن الروس يتسترون على صديق حليف لهم، نتبين ملامحه من خلال الجرائم التي ارتكبها في حق الطفولة بالذات في المدارس والمستشفيات والملاجئ. إلا أن عقول تعرضت للقصف لا ترى ما فعل، وتبرر ما فعل، وتصفق لما فعل.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات