عمليا هم متفقون على غلاء الأسعار. لا أتحدث هنا عن نداء تونس ومشتقاته وما يسمى آفاق تونس وحزب سليم الرياحي، فهؤلاء لا مشكلة عندهم مع قانون المالية لسنة 2018، صادقوا عليه ولو عرض عليهم ما أشد منه لصادقوا عليه وهم مرتاحو الضمير،
وإنما أتحدث تحديدا عن الجبهة والنهضة اللذين يتراشقان بالاتهامات ككل مرة، فكلاهما صادق على الزيادة في الأسعار، ولا تستطيع أن تحجب عنا ذلك الضوضاء التي أثيرت في ظل الاحتجاجات على الغلاء، وتراشقهما المعروف دائما والاتهامات المتبادلة.
نشير أولا إلى أن الفصل 39 عند مناقشة مشروع الميزانية والذي أصبح يحمل رقم 43 في نص القانون الصادر بالرائد الرسمي، هو الذي أقر الترفيع في الأسعار من خلال الزيادة في القيمة المضافة.
في خضم الاتهامات التي توجهها الجبهة الشعبية إلى النهضة بأن هذه الأخيرة صادقت على قانون المالية، وأن نواب الجبهة رفضوه، هذا الكلام يحتوي على مغالطة. ذلك أن الفصل 43 من قانون المالية قد صادق عليه نواب الجبهة الشعبية الحاضرون في الجلسة.
ولا أدل على ذلك من اعتراف رئيس كتلتهم أحمد الصديق عندما وضع في الزاوية حول هذه النقطة قائلا إنهم "حصلوا" (كذا). وهنا لا يهم إن كان تأويله صحيحا أم أنهم تعمدوا التصويت حتى يدللوا على أنه يمكن لنداء تونس (نعم) الاعتماد عليهم في غياب النهضة التي قاطعت الجلسة التي نظرت في بعض الفصول ومن بينها الفصل المشار إليه، إلا أن النتيجة واحدة وهي أن نواب الجبهة صادقوا على ذلك الفصل وبالتالي كانوا مع الترفيع في الأسعار، في تناقض بين مع مواقفهم المعلنة في الإعلام عن خوفهم على قفة الزوالي.
وحينئذ فموقفهم اللاحق المعارض لارتفاع الأسعار هو من باب التعمية على موقفهم المزدوج. وحتى الامتناع فيما بعد عن التصويت على القانون برمته، لا يمكن أن يخفي عنا موقفهم الأولي المؤيد للزيادة.
في الكفة الأخرى، نواب النهضة، صحيح أنهم لم يكونوا حاضرين في الجلسة التي صادقت على ذلك الفصل، إلا أن السؤال الأهم هل كانوا سيرفضونه لو كانوا حاضرين؟
كلا بطبيعة الحال، والدليل على ذلك أنهم صادقوا على قانون المالية برمته، وحينئذ فلا معنى لعدم وجودهم في الجلسة خلال التصويت على الفصل 43. ولو كانوا كما توحي تصريحاتهم بأنهم ضد الزيادات في الأسعار، فإن تصويتهم إلى جانب تمرير قانون المالية يدل على أنهم مثلهم مثل الجبهة الشعبية كانوا مؤيدين له.
والنتيجة، أن هؤلاء السياسيين يتشابهون تماما في إعطاء الأولوية لحساباتهم الحزبية الضيقة وحتى لمناكفاتهم، وما قد يحققونه من نقاط على حساب بعضهم البعض، كما يتشابهون في التفصي من مسؤولياتهم عندما تتعرى مواقفهم أمام الرأي العام، ويتشابهون كذلك في علاقتهم بالمنظومة إذ ينتقدونها إذا ابتعدوا عنها ويصمونها بأقذع النعوت والسباب، ويبحثون في أول منعرج عن التحالف معها وحمل القفة ولو كان ذلك على حساب قفة الزوالي.