جئتم إلى الأرض الطيبة، جمنة. قال لكم أهلها الطيبون أهلا وسهلا ومرحبا بكم، إنهم لم يروا فروقا بينكم، كلكم تونسيون، بقطع النظر عن راياتكم، وزعاماتكم. وكانوا بذلك في مستوى بؤرة الضوء الأبرز التي يشكلونها. وإذ جئتم تأييدا ومساندة وتضامنا، أليس من الأجدى أن تستكملوا قراءة هذه التجربة وأن تقرؤوها جيدا؟ اسألوا فقط: لماذا نجحت هي، وفشلتم أنتم؟ ومن دلائل نجاحها قدومكم إلى أرضها، ومن دلائل فشلكم عودة المنظومة القديمة.
لم ننس تجاذباتكم ولا صراعاتكم وملاسناتكم في البلاتوهات وفي الشوارع، حتى قضيتم على الثورة التي كنا نحلم بها وتلهج بها ألسنتنا. أما التجربة فمنذ انطلاقتها في 12 جانفي 2011، فقد حافظت على نفس الزخم ولم تفلّ فيها النزالات التي كنتم فرسانها، ولا عمليات التحريف التي كنتم أدواتها. لقد كانت البوصلة تشير دائما إلى الثورة فقط. هي تجربة في التعلق بالأرض، وفي معنى الكد والجهد والبذل والعطاء دون حساب.
نعم لقد غدت جمنة حزمة من الدروس القابلة للتطبيق، في الاقتصاد التضامني وفي الإدارة والتسيير والحوكمة الرشيدة وكذلك في السياسة، وفي علم الثورة أيضا. إنها درس تطبيقي في الكشف عن الفساد، ودليلنا الأرقام. وهي من اليوم فصاعدا وصفة للتعميم في بقية مناطق البلاد، ولو تم ذلك لا شك أن البلاد تسترد الكثير من عافيتها ويسترد العمل قيمته والأرض عطاءها، ويسترد المواطن مواطنيته، والوطن سيادته. خذوها إذن وناضلوا من أجل تعميمها.
إن لم تكونوا تعلمون فتحت سقيفة جمعية حماية واحات جمنة، التقى الجميع، بقطع النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية والإيديولوجية، وهذا درس في السياسة وفي الثورة معا. لم تجعلهم إيديولوجياتهم يتناحرون مثلما كانوا يرونكم على مدى سنين، وعلى أتفه الأسباب، وبأحط الأساليب. ولو فعلوا مثل الذي فعلتم لكانت الأوضاع في الواحة قد عادت إلى ما كانت عليه قبل 12 جانفي 2011، ولما نجحت بالتالي تجربتهم وما احتفى بها المحتفون، ومن هنا فجمنة يمكن أن تكون درسا لكم أنتم، قبل غيركم. تصوروا فقط أنكم لو سرتم مثلما سارت عليه، لكنا في وضع غير الوضع الذي نعيشه اليوم. فهل تراكم تستوعبون دروسها؟ هل تراكم تعملون بدون حسابات حزبية ولا إيديولوجية ولا زعاماتية ولا شخصية؟ يبعد ذلك مع الأسف.
كما لو كنا نطلب منكم أن تخرجوا من جلودكم. وها هي شبكات التواصل الاجتماعي تشهد على أنكم على عادتكم، تعيدون الشيء نفسه. محاولات خفية للسطو المسلح أو للركوب أو حتى لشق الصفوف بكل خبث بعيدا عن ابتساماتكم المصطنعة. كما لو أنكم تجتهدون لوضع التجربة على محك التجاذبات السياسية والإيديولوجية التي غذيتموها وعشتم على وقعها منذ سنين. وبالتالي فما معنى تأييدكم للتجربة وأنتم لا ترون منها إلا ما يمكن أن تجلبه لكم من أصوات في الاستحقاق الانتخابي القادم؟ وما معنى تأييدكم لها وأنتم لم تستوعبوا دروسها؟
التجربة أكبر منكم، ولذلك نجحت وفشلتم. وانتهى الامتحان.