هي ليست انتخابات، ففي الانتخابات يكفي للفوز الحصول على فارق غير مشكوك فيه من أصوات الناخبين، نظريا حتى صوت واحد يحسم الأمر. كذلك الانتخابات دورية وأمدها محدود بفترة معينة يعود بعدها المتنافسون إلى جمهور الناخبين، بما يجعل الفائز يفكر دائما في الموعد القادم.
الاستفتاء شيء مختلف، لأنه ليس دوريا، ويكون موضوعه حاسما، كأن يكون تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، كما هو في الحالة التركية، وليس مجرد انتخاب رئيس لمدة معينة، وهو ما يجعل نتائج الاستفتاء تختلف عن نتائج الانتخابات الدورية. وبالتالي ففي الاستفتاء إما أن تكون النتائج حاسمة أو لا تكون، والحسم يجب أن يكون بفروق واضحة.
بطبيعة الحال لا نتحدث هنا عن "الاستفتاءات" التي تتم في البلدان العربية والتي تنطبق دائما مع ما يريده الحاكم، وإنما عندما تكون النتائج متقاربة بين "نعم" و"لا"، فمعناه أنه لا غالب ولا مغلوب. ومن يعتبر نفسه "غالبا"، عليه قبل ذلك أن يضع نصب عينيه، أن ما يقرب من عدد ناخبيه هم ضد ما يريده.
في واقع الحال، لم يتجاوز الفارق في الاستفتاء التركي النقطتين والنصف، فقط، بمعنى أن "لا" حصلت على 48.77%، وهذه نسبة هامة جدا، بمنطق الاستفتاء لا بمنطق الانتخابات. أضف إلى ذلك أن مدنا كبيرة تفوقت فيها الـ"لا" على ال"نعم" وعلى رأسها إستانبول، العاصمة الاقتصادية، وللتذكير فهي التي تدرب فيها أردوغان على الحكم حيث كان رئيس بلديتها. كذلك أنقرة العاصمة السياسية صوتت بلا، نفس الشيء بالنسبة إلى إزمير، ثاني أكبر مدينة وثالث أكبر ميناء تركي.. هذه العواصم، لا يمكن ولا يجب تجاهلها.
لست أدري ما الذي يمكن أن يدور في ذهن أردوغان بهذا الصدد، بمعنى كيف يقرأ نتائج الاستفتاء، إلا أن الأكيد أن تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي يكشف عن نوازع شخصية للحكم، لا يجب أن نقارن هنا بما عليه النظام الأمريكي أو الفرنسي، ولتركيا هنا تقاليد سلطانية، وأردوغان سيتحكم في السلطة التنفيذية والقضائية ويحد من نفوذ البرلمان، وهو هنا يقدم نموذجا يخيف آخرين كثيرين. هذا نموذج لا يحتذى به ولا يمكن الدفاع عليه.