لنمسك الثور من قرنيه ونواجه السؤال: هل يمكن خلق الثروة في ظل حكومات تسلطية وحكام دائمين؟ فكرت في ذلك وأنا أتابع الوضع في سوريا: هل هم إرهابيون؟ هل هي أجندا تركية أم إسرائيلية؟ ثم وأنا أقرأ تعليقا للرئيس المصري الجنرال السيسي: "أحنا منقعدش في مكاننا"، على انهيار سعر الجنيه المصري في البنوك إلى 50 جنيها للدولار وتوقعات بالمزيد خلال الفترة القادمة وبـ60 جنيها في السوق السوداء، عندما تسلم السلطة بالانقلاب في 2013 كان الدولار يساوي 7 جنيهات، كان يطلب السلطات المطلقة بوعد الرخاء والرقي والاستقرار الاقتصادي، حاول أن تتخيل أن الشيء الذي كان يتكلف 7 جنيهات أصبح بـ 60 جنيها، وفي سوريا: ما هي كلفة استمرار النظام السوري على شعبه؟ هل أن نهاية هذا النظام أكثر كلفة من بقائه؟
إنه أنموذج لا يحتاج إلى أمثلة أخرى من الفشل في الحكم والخراب وتردي مستوى العيش وتعطل خلق الثروة، إن تصريح السيسي حتى إن أخرج من سياقه لا يزيد عن واحد من اثنين: إما اختراع مؤامرة كونية على بلاده ينفذها أشرار الداخل لتفسير الخراب وإما هذيان لا علاقة له بالموضوع، هو لا يعني شيئا سوى أنه حاكم عسكري أزلي مثل أغلب الحكام العرب لا يسأل عما يفعل،وحين تريد أن تسائله عن مصير البلد يخرج لك البوليسية والمخابرات لاتهامك بـ"التآمر على أمن الدولة" وهي تهم لا توجد في المجتمعات الديموقراطية، ثم هو ليس له مشروع سوى البقاء الأزلي في السلطة وهذا له ثمن تاريخيا وهو وضع كل مؤسسات الدولة تحت حذائه اعتمادا على القوى الصلبة من الجيش والشرطة والقضاء والسجون والمنافي ومليشياته في وسائل الإعلام وإطلاق أيدي أعوانه في خيرات البلاد.
أول جواب على السؤال: في الدول الديموقراطية حيث الفصل بين السلط والمحاسبة الدستورية والتداول السلمي على السلط لا توجد أسواق سوداء للعملة أو المضاربة في أي شيء، أصلا: تم إنهاء علاقة الدولة بترخيص خلق الثروة، فيما يجد الحاكم المستبد نفسه رهين شكل نمطي للسلطة منذ ظهرت الدولة: الولاء مقابل احتكار خلق الثروة وجعلها بالإدارة وقوانين التراخيص حكرا على جماعته التي تعني أساسا الثروة الريعية والتوريد وصفقات الدولة والسمسرة والمضاربة،
إن هذا قد ينجح في بلدان لها ثروات طبيعية، حيث يستطيع الحاكم الأزلي أن ينسيهم الحكم الرشيد ويشتري السلم مقابل ولاء القوى الصلبة وحتى الشعب بالأجور الجيدة وبسلع وخدمات بلا ضرائب أو بهدايا مالية موسمية في عيد وصوله للحكم أو عرس ولي العهد، أما في المجتمعات الفقيرة، فإن التفسير الوحيد لتردي مستوى العيش وارتفاع كلفة تعهد القوى الصلبة من جيش وشرطة وسماسرة حول النظام هو اختراع الإرهاب لحشد الناس لمقاومته ثم اختراع الخونة والمتآمرين على أمن دولته السعيدة والإيهام بحالة حرب مستمرة لتبرير الوضعيات الاستثنائية وقوانين الطوارئ التي تنهك الحقوق الأساسية وهو ما يخلق وضعا غير ملائم للاستثمار وخلق الثروة،
هل يمكن خلق الثروة في الأنظمة القمعية؟ أبدا، بما أن ثمن بقاء الحاكم في السلطة الأزلية المطلقة غير القابلة للمساءلة الانتخابية يتطلب احتكار الثروة للموالين وصنع قوانين احتكارية على المقاس ومنع تكون قوى غير موالية، وهي حالة يمكن معاينتها في كل الدول العربية، حيث يوجد أكبر ركود للحقوق الفردية والجماعية وأكبر موجات هجرة للكفاءات وحتى لمن لا حيثية له، تحت تأثير غريزة الكرامة والحياة، انظروا إلى تصنيف الدول العربية في قوائم الحريات وقضايا حقوق الإنسان وعدد مساجين الرأي، إنه الثمن الفادح لزواج السلطة بالثروة في العالم العربي وسط مجتمع غبي،