لا أعرفه لكنه يمسك بخناقي كسعال ديكي وأشعر بحرارة في حلقي. أتحسسه بصمت مغمض العينين كمقام موسيقي يعزف على آلات قديمة وبها خلل سببه القدم وقلة الاستعمال لكنه يتشكل رغم ذلك نغما مجروحا وبه حنين مر. أتحسسه له طعم القرنفل والتبغ في فم شهي. أتحسسه كبتلة وردة لم تقطف الآن ولكنها لم تذبل فتعتقت بها رائحة حديقة سقيت في الفجر والناس نيام..
لا أعرفه لكنه موجود فيَّ أقدم من الرغبة في الماء وفي العطر وفي السير على ضفة الماء . أحاول تشكيل ملامحه بيدي فيعجزني أحاول استعادته بالحواس الخمس فأجد ملمس الحرير ورائحة القرنفل ولون النمش البني على كتف أبيض وطعم ثمر غريب أكلت منه كثيرا دون تحديد اسمه في قائمة الغذاء البشري. لا أتميز صوته لكنه مموسق على مقام الحجاز ويعرج بي على الصبا وبه ندى كأنه يهب من أثر مطر على صحراء …
شيء ما يملكني وأجد له حنينا ولا أسميه.. أحِنُّ إلى شيء ما ثَرِيّ كلحظة فتح جرة من معدن لا تخضع قيمته للتبادل. الحنين يصير هدفا منجيا. لو عرفت ما أحن إليه لكففت عن الحنين وأدخل في السوق ..الحنين منجاة من السوق فلا يدلنني أحد عليّ إن بي حنينا يخرج لحمي من سوق العبيد. شَدِهٌ كأني أفتح عيني بعد ظلام كثيف. شَدِهٌ كأني أذوق طعم حرارة برية شَدِهٌ كأني أطفو خفيفا على بحر زلال.. شَدِهٌ كأني أقبِّل لأوَّل مرة…
سميري وحدتي فيها أعتق حنيني لرضاب قرنفلي. تلك لحظة ناجية من تحديد وزني بغير ميزاني... حنين باهر يحضنني ولا استنكر تيهي في حنيني. شيء ما أعطاني معنى ذات يوم فسرت في الطريق وغنيت بصوت خافت لم يسمع أحد انكساري من احتمال الفقد. كان الفقد ماثلا دوما في الطريق ... خلقت لأفقد وأحن وأكتب عن خسارات غريبة جعلت يومي حنينا باهرا كلما خفت وصولا فتحت طريقا لشيء ما لأضيعه وأحن. رجفة الحنين تلك الرجفة قتلتني وأحيتني ... خارج قائمة التبادل.
حنين إلى وجد جارح يجعل لحمي لذيذا في فمي ..كقبلة طويلة برائحة القرنفل والتبغ فألخِّص سعيدا بوجيعتي ..خلقت لأكل قلبي حنينا لشيء ما لو عرفته لانتهيت بضاعة في سوق المشاعر.