أين يتجه حزب النهضة التونسي؟

Photo

كلما خاض المرء في شؤون السياسة في تونس وجد حزب النهضة أمامه فيكتب عنه أو حوله ناقدا أو ناصحا أو مناكفا ومعارضا أو لاعنا. كثير من الخطاب المعادي للحزب يفيده دعائيا وكثير من النصح يزيد في رضا الحزب عن نفسه ولكن أغلب الخطاب لا ينتهي إلى قراءة في تطور الحزب وتغير أفكاره وموقعه في الخريطة السياسية التونسية.

في المدة الأخيرة (يناير /فبراير 2018)صدرت بعض استطلاعات الرأي تقول بانخفاض شعبية الحزب واحتمال تراجعه في الانتخابات البلدية القادمة وهو ما يعني تواصل تراجعه في التشريعية لسنة 2019. وقد نشرت بعض قيادات الحزب نفسه هذه المعلومات (سيد الفرجاني) ولا ندري هل كان ذلك لتحذير الأنصار وتنبيههم إلى مزيد من العمل الميداني أو تهوين أمر الحزب كنوع من التقية قبل أن يفاجأ الجميع بانتصارات انتخابية(وهو احتمال ضعيف جدا) ولكن وإن كانت الاستطلاعات لا تحظى بثقة كبيرة في تونس فإن الحزب يعيش مرحلة مفصلية في تاريخه وتتعلق بالداخل الحزبي وبالموقع السياسي والدور المحتمل للحزب في المستقبل المنظور.

أين مقررات المؤتمر العاشر ولوائحه؟

قرأنا كثيرا من لوائح المؤتمر العاشر وقرأنا حولها ووجدنا خطابا اجتماعيا يجعل الحزب اقرب إلى الوسط منه إلى اليمين ولكن لم نر على الأرض عملا اجتماعيا مؤسسا فتأثير الحزب داخل الحكومة لا يعكس محتوى لوائحه (يعتذر الحزب بأنه شريك لا أصل في الحكومة) ولكن الشريك يساير اليمين (النداء) مسايرة تامة ولا يدير الدفة إلى الوسط.

والاعتذار بالعجز عن التأثير في عمل الحكومة يقنع أنصار الحزب لكنه لا يقنع المراقب الخارجي فالأحزاب المتآلفة وإن تورطت في تحالفات بضرورات مرحلة لا تتخلى عن خطابها الأصلي خارج التحالفات هنا نسمع الصمت المطبق. كأن التحالف مع حزب يمين يمنع الراغب في الوسط أن يقول أنه وسط اجتماعي.

هذا الصمت اليميني وتغييب محتوى لوائح الحزب ذات المنحى الوسطي الاجتماعي يطبع كل خطاب الحزب الذي يراه المراقب يتخلى عن ثوابته المعلنة ويقدم رهانه على البقاء في السلطة دون هوية لا من الإسلام السياسي الذي طالما روج لأطروحة محمد الغزالي عن الإسلام الاجتماعي ولا من أحزاب الوسط الديمقراطي.

الذوبان في التوافق

يقول بعض المراقبين أن تحالف النهضة مع النداء لم يكن خيارا بل ضرورة استباقية لعزل النهضة بعد انتخابات 2014. التحالف انقذ النهضة من معركة أخرى مع اليسار الاستئصالي ولكنه أنقذ النداء أيضا ومتعه بالسلطة(ومكنه من استعادة مساحات واسعة من النظام القديم إلى حد استعادة وزراء بن علي). وفي الوقت الذي يوسع فيه النداء مناطقه على حساب شريكه نلاحظ التراجع الدائم للنهضة أمامه.

ينشر الحزب تبريرات كثيرة عن الضغوطات الخارجية المسلطة عليه وعلى وضع التجربة الديمقراطية التونسية. ويعلن أنه يقدم مصلحة تونس على مصلحة الحزب.(وهو خطاب رومنسي) لكنه غر منتج في عالم السياسة فالنتيجة هي تراجع مكانة الحزب حتى لدى المؤلفة قلوبهم حوله.

لقد تحولت الشراكة إلى استنزاف متواصل لمكانة الحزب. فشريكه الأقوى هو أول المستفيدين من دعوى الضغوطات الخارجية وقد كان جليا في زيارة ماكرون الرئيس الفرنسي. لقد قدم الحزب كمكمل فراغات وليس كشريك. وهي مكانة مهينة ولها ثمن سياسي في الصندوق القادم.

لقد انقلب الاعتذار بالضغوطات الخارجية على الحزب وقلص وزنه في الشارع ولكن الملاحظ رغم ذلك أن الحزب يمعن في الدفاع عن تحالفه ولا يعمل على التفصي منه كأن الوضع في 2018 لم يتغير قيد أنملة عن 2014. هل يملك الحزب معطيات أكثر مما يظهر لنا من خارجه ليمعن كل هذا الإمعان في التمسك بتحالف مميت؟ هنا نقف عاجزين عن المعرفة ويصبح التحليل تخمينا.

هل مازال يمكن للحزب أن يعود إلى الشارع؟

العودة إلى المعارضة والدفاع عن مطالب الثورة بصيغتها التي ظهرت في القصبة صار الآن وراء التونسيين وليس فقط وراء حزب النهضة بما يجعل السؤال غير ذي معنى ويجعل من يطلب من النهضة أن تفعل ذلك غير واقعي(أو مزايد بالثورية) فالجميع منخرط في المسار السياسي ويعمل على توسيع مكانته الأسلوب السياسي الديمقراطي. لذلك فان الخروج من التحالف والانتماء إلى المعارضة ليس عودة إلى الثورة بل هو بقاء مضطر في حقل العمل السياسي من موقع المعارض لا من موقع المؤسس وهذه عودة إلى كل أخطار عشية ظهور نتائج انتخابات 2014. ماذا يبقى أمام الحزب إذن؟

هنا تحول خيار التوافق إلى خيار وحيد بكل كلفته السياسية التي ستترجم في الصندوق. ويدفع الحزب ضمن الخيار الوحيد إلى تعديل موقفه داخل التوافق لا خارجه. لكن هل يمكن للحزب أن يتمرد على مكانته المهينة في التوافق دون أن يخرج منه؟ وجب أن يجد لذلك مبررات ولكن كيف لمن قبل الاندغام الكامل أن يفك الارتباط ولو بالتدريج. عن الشريك المبتز.

الاستطلاعات تكتسب مصداقية

حزب النهضة محاصر داخل خياره وهو يقدر الكلفة ونرى أنه خسر أو أنه في أفضل الوضعيات يختار بين خسارتين. ويحمد الإياب من الغنيمة. وكل المتربصين به يستعدون لقطف ثمرة تراجعه لقد نطق بذلك السيد نجيب الشابي عندما تحدث عن التجميع من أنصار النهضة الذين فقدوا بوصلتهم بفقد النهضة لبوصلتها. بما يسمح لنا بالحديث عن فوز ناجز للنظام القديم.

لقد ضم النظام القديم (ممثلا في الباجي وحزب النداء) حزب النهضة إليه وشرع في تفتيته بالتدريج (وهو الأسلوب المميز للباجي المختلف كلية عن أسلوب بن علي الاستئصالي.) المطاولة حتى التفكيك أو التذويب النهائي.

إننا على أعتاب الانتخابات البلدية نصل إلى نتيجة كانت متوقعة(قصة موت معلن). تعلق النهضة برقبة النظام قدمت للأنصار على أنها خنق للنظام من داخله لكن الخانق يختنق وينتبه (أو لعله مازال في غيه) يروج لأطروحة تفكيك النظام من داخله لكن على الأرض تبدو النتيجة كارثية.

أرستقراطية النظام القديم تأكل الآن حزب النهضة بملعقة صغيرة. والحزب يقرأ الاستطلاعات ويروج لبطلانها ولكنه أول الموقنين بنتائجها. ويرى الفرحين بتلاشيه لكن سيطرح سؤال آخر نفسه لما بعد النهضة .

ما مصير الفرحين من خارج النظام بتلاشي النهضة فاختلاف طريقة الباجي عن طريقة بن علي لا تعني اختلاف نتيجة عملهما. كيف يمكن لشارع سياسي بنهضة ضعيفة أو بلا نهضة أن يواجه النظام إذ يذكر التونسيون أنه بعد تناول بن علي لحزب النهضة على العشاء تناول البقية الباقية في التحلية واستمر يحكم على هواه.

ألم يتعلم التونسيين أن نظام بورقيبة/بن علي لا يقسم السلطة مع أحد؟ كتبت دوما أن أكل فضلات النظام تحت طاولة النظام ألذ عند الكثيرين من مقاسمة وجبة دسمة مع النهضة. زغاريد الفرح بتلاشي النهضة ستنقلب بعد انتخابات 2019 نواحا على الديمقراطية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات