هل يكون يوسف الشاهد رئيس تونس القادم؟

Photo

قد لا نحتاج في القريب إلى نقطة الاستفهام خلف العنوان، فيوسف الشاهد يفتح طريقه بثقة بالغة نحو قصر قرطاج، وقد جمع حتى الآن أوراقًا كثيرة بين يديه بما يجعل الصورة تتضح بسرعة، بعض ما جمع هو كثير مما أخذ من أرصدة منافسين محتملين على المنصب وبعضه ثقة دوائر القرار الخارجي التي تختار لتونس ما يصلح لها باعتبارها تجربة غير راشدة بعد، وهذا كلام ينكره السياسيون ويوجع المواطنين ولكنه حديث واقعي.

فأمر تونس ليس بيدها وقد تواطأت نخبتها ضد سيادتها، فهي تفاوض الخارج قبل الداخل لتفوز برضاه، والحديث السائر بين الناس أن رئيس تونس يتم اختاره في باريس ليتقدم إلى الانتخابات واثقًا من نفسه.

الشاهد التهم أرصدة الباجي

خلق الرئيس الحاليّ أزمة سياسية في حزبه وفي البلد من أجل الدفع بابنه مرشحًا توافقيًا، ولكنه عجز حتى الآن عن تسويقه، فابنه لا يمتلك أي مواهب سياسية تؤهله للتقدم للمنصب، فضلاً عن نفور التونسيين في عامتهم من مسألة التوريث التي كانت السبب الرئيسي في سقوط بن علي، ولذلك نحن نشاهد انتقال الثقل السياسي من وراء الباجي إلى صف الشاهد الذي سيصير مرشح النداء في انتخابات 2019.

أضف إلى ذلك أن وجوه النداء السياسية كلها مستهلكة وكثير منها لا قيمة له خارج الدائرة الضيقة التي اشتغلت مع الرئيس في مرحلة تأسيس الحزب، كثيرون يعبرون عن رغبتهم لكن بعضهم عاجز عن إلقاء خطاب دون أخطاء إملائية، بل إن بعضهم عجز عن تسيير وزارة فنية وعبثت به النقابات وعزلته في موكب مهين.

أما الحساسية اليسارية المندسة في النداء فهي أدوات أكثر منها مراكز فعل وقرار، وهو الموقع التقليدي ليسار الحداثة الفرانكفوني الذي لا يكشف وجهه في المواقع الأولى ويكتفي بالتحريك من الخلف ضد الإسلام السياسي وليس له أجندة أخرى منذ قرر الانغماس في الحزب الحاكم مهما كان رئيسه.

كل هذه المعطيات تصب في مصلحة الشاهد الذي يعد بدم جديد في هيكل الحزب المتهالك، وحتى اللحظة لا يظهر أي وجه (زعيم) يمكن أن يقف أمامه إذا قرر التقدم للمنصب، ونميل إلى الاعتقاد انه خاض معركته الأهم ضد الرئيس وخرج منتصرًا، أما بقية المعارك داخل الحزب والشريحة الاجتماعية التي صوتت له في 2014 فسيكون ربحها أيسر بكثير.

يمكن للشاهد أن يقدم إلى جانب الأرصدة السابقة وجهه الحداثي ويشتغل على أنه البديل الوحيد في مواجهة الاحتمال الأسوأ لصف الحداثيين أي الترشح مقابل الغنوشي أو من قد يدفع به الغنوشي للمنصب إذا رأى أن ليس في ترشحه الشخصي فائدة لحزبه النهضة.

بمثل هذه المعطيات أو الاحتمالات سيلتف حول الشاهد كثيرون لديهم موقف جذري من حكم أحزاب الإسلام السياسي ونعتقد أن الاصطفاف قد بدأ بالفعل، فقسم كبير من حزب المشروع الذي انفصل ذات يوم عن النداء أعلن عودته على استحياء بينما انضم حزب آفاق تونس وهو مجموعة نخبوية من خريجي المدارس الفرنسية تقريبًا إلى الشاهد.

وفي دور ثان محتمل في مواجهة مرشح نهضاوي لا نشك لحظة في أن كل الطيف اليساري بما فيه القوميين سيقفون خلف الشاهد، فالنقطة الوحيدة الثابتة في موقفهم طيلة وجودهم السياسي هي العمل ضد الإسلاميين ولو مع الشياطين، والجميع يتذكر عملية قطع الطريق على الدكتور المرزوقي في 2014 لأن قاعدة حزب النهضة وقفت خلفه وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز.

الشاهد مرشح دوائر القرار الغربي

عشية التصويت على منح الثقة لوزير الداخلية الجديد اتصل السفير الأمريكي برئيس مجلس النواب (الندائي) فانقلب التصويت بالإجماع لصالح مرشح الشاهد وخرست الألسن عن مسألة السيادة الوطنية، وفهم من تلك الحركة أن الشاهد يحظى برضا السفارة الأمريكية لقادم الأيام وذهب البعض إلى أنه كان يعد للمنصب منذ تم إخراجه من مكتبه بالسفارة كخبير زراعي مجهول إلى وزارة الجماعات المحلية ثم رئاسة الحكومة.

أما السفارة الفرنسية فقد مالت له بعد أن فقدت الثقة في زعماء ديمقراطيين مثل نجيب الشابي ومصطفي بن جعفر وقد تآكلت أرصدتهما الشعبية وتحلل حزباهما فهما أثر بعد عين.

وقد كان آخر مناوراتها هي اختبار وزير الداخلية السابق السيد براهم في رحلته إلى السعودية، حيث تبين لدوائر القرار الفرنسي أن الرجل ليس أكثر من نسخة كربونية من بن علي وكل براعته التي سوقها لهم هي عزمه على اصطياد الإسلاميين وهي سياسة لم تعد مطلوبة في فرنسا وهذا ما لم يرتق الوزير إلى فهمه والعمل به، فسقط (أو أسقط وهو الأصح) بمقال نيكولا بو في موقع إلكتروني.

فإذا تجمعت إرادة القوتين العظميين المهتمين بتونس (فرنسا وأمريكيا) فليس للألمان أو الإيطاليين قدرة على منافستهما في التأثير على ما يجري في تونس، فضلاً عن ذلك فنحن نلتقط أنباء غير مؤكدة عن علاقة متميزة للشاهد مع الإنجليز الذين يقفون دومًا (أو غالبًا) خلف الموقف الأمريكي.

فإذا قررت هذه الدوار ترشيح الشاهد فإن كل منافسة ندائية ستختفي قبل نهاية العام السياسي ويدخل المرشح المحظوظ سنة الانتخابات منتصرًا إلا أن يظهر منافس زعيم من لا مكان وهو احتمال يساوي صفرًا في المشهد السياسي التونسي الحاليّ.

الصفقة مع النهضة

الخصم الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو حزب النهضة، فرصيده البشري (قاعدته الناخبة) هو الوحيد الذي لا يشك في ذهابه إلى صناديق الاقتراع، لذلك فإن حوز رضا النهضة هو إعلان فوز مسبق بالمنصب، لكن ماذا بوسع الشاهد أن يقدم للنهضة ليكون مرشحها؟

النهضة في موقع يسمح لها بطلب الكثير لتعطي من يريد ما يريد، ففوزها في البلديات سمح لها بالحديث من موقع الندية مع أي مرشح، ونعتقد أن النهضة لن تقبل بأقل من الحكومة كاملة تمنح منها برضاها ولا تقبل فيها وضع المكمل المسكين التي يستجدي حياته من خصومه راكعًا، وهذه هي الترجمة الفعلية لتصريح الغنوشي (انتهى عصر تنازلات النهضة).

وبالنظر إلى توزيع السلطات الحاليّ بنص الدستور فإن النفوذ الحقيقي على الإدارة والاقتصاد والمستقبل ما بعد 2024 سيكون بيد النهضة وليس بيد الرئيس، وهنا ستتردد دوائر القرار الخارجي في إتمام صفقة الشاهد مع النهضة أو ما يعرف في تونس بالقصبة (مقر الحكومة) مقابل قرطاج (مقر الرئيس)، لا مصلحة لفرنسا خاصة ودون بقية القوى الدولية في رئيس بلا نفوذ على العملية الاقتصادية التي تتحكم فيها في كل المستويات، والخوف كل الخوف أن تنجح النهضة فلا يعود تقليم طموحاتها ممكنًا، وهذا احتمال مزعج جدًا، هذه منطقة للتفاوض الكاسر في الأشهر القادمة، وقد تتجمع حولها قوى كثيرة ولا نستبعد استعادة الإرهاب للتأثير على التفاوض، فقد ثبت أنه بعد كل عميلة إرهابية تنكسر إرادة التونسيين ويقبلون على أنفسهم الدنية، ولم يتجهوا أبدًا إلى بناء لحمة وطنية حقيقية في مواجهة الإرهاب.

النقابة ورقة أحرقت نفسها

في معركة الشاهد مع الباجي انحازت النقابة إلى صف التوريث فانكسرت احتمالات تحالف النقابة مع الشاهد، وسيكون من العسير ترميم العلاقة بين الشاهد والنقابة إلا أن يكون رئيسًا ليعيد استعمالها في الدور الذي تميزت فيه منذ سنوات الثورة التخريب على حكومة نهضوية.

في الكواليس غير المعلنة أن الشاهد يمسك بخناق نقابيين فاسدين ويقايضهم بملفات فساد، وهذا سر التصعيد الأخير في إضراب المطارات (الذي ألغي في آخر لحظة) وإضراب النقل العشوائي، تصعيد يرفض التفاوض العلني لكنه يتخذ آخر سبل التهديد قبل الانهيار.

وصلنا إلى وجه الشاهد وكفى

يقول البعض الآن وجه الشاهد ولا وجه الغنوشي، هذا الانحياز المبدئي ضد الغنوشي وحزبه هو من جاء بالشاهد في الداخل ومن قدمه للخارج وقد كانت النقابة اليسارية قائدة تخريب المسار السياسي الديمقراطي ويؤسفنا أن نكتب أن النقابة التي تتغني بوطنية فرحات حشاد المؤسس ونضاليته ليس لها أجندة وطنية بل أجندة حزبية استئصالية لم تعد تخفى على أحد ومستعدة دومًا للعب هذا الدور مقابل سلامة القيادة.

ونرجح الوصول إلى اتفاقات مع الشاهد، فاستقرار العام الأخير من حكمه يسمح له بتقديم نتائج صالحة للدعاية الانتخابية وهي الورقة التي قد تقدمها له النقابة، أما بقية الطيف السياسي فسيكون في معركة الرئاسة القادمة كضيف لم يدع إلى الحفل لكنه حضر فأكل الفضلة.

لم يفرز الشارع زعيمًا يقف خارج النداء وينقض أطروحته ويقف خارج النهضة ويقدم نفسه بديلاً غير استئصالي وربما يقدم لنا بعض المتهافتين على الترشح كثيرًا من النكت والقفشات لنواصل السخرية في أجواء سوداوية لم نكن نتوقع في فجر 2011 والثورة مستعرة والشهداء يرتقون أن نصل إليها، فنجد الشاهد طفل السفارة المجهول رئيسًا لتونس.

الطريق حملتنا إلى هنا ولن يطرح السياسيون ذوو الألسن الطويلة السؤال الجذري: كيف وصلنا إلى هنا؟ لقد وصلنا وسنتحمل وجه الشاهد الباهت لسنوات طوال بعد أن نسقط نقطة الاستفهام من العنوان.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات