حزب النهضة التونسية في قلب زيارة ماكرون.

Photo

لقد نطق الرئيس الجملة السحرية نجاح التونسيين في التوفيق بين الإسلام والديمقراطية فسمعنا زغاريد نهضوية. ورأينا رقص النظام القديم ممثلا في رئيس المجلس الذي صرح (لقد أصبحنا ديمقراطيين كما تحبون يا سيدي الرئيس). وعاد الرئيس الفرنسي فرحا مسرورا لقد وضع الجميع في جيبه في مستهل سنة انتخابية تفتح على موعد انتخابي آخر أقرب إلى فرنسا من حبل وريدها.

لقد أنقذ الرجل نفوذ بلده في بلدنا. وضمن سوقه الأقرب أي في مجال حركته الاقتصادية الحيوية فالجميع نال وسام الرضا وقدم طقوس الولاء. لم نذبح الخرفان ولم نرقص بالسيوف ولم نعلق قلادة من الجوهر. ولكننا أعدنا تسليم البلد لفرنسا ثانية مضحين بكل احتمالات الاستقلال السياسي والسيادة على ثرواتنا وعلى وطننا. يعرف الفرنسي من أين يؤكل الكتف التونسي.

ديمقراطية التلاميذ النجباء.

لم يرشدوا هل يرشدون؟ لا يبدو أنهم يفكرون في ذلك فكأنهم تلميذ غير واثق من نفسه يقدم ورقة الامتحان مرتجفا إلى معلم متشدد. منذ سبع سنوات يتحدثون عن الديمقراطية ولكنهم لم يثقوا في ما انجزوا حتى عرضوا ورقة الامتحان على المعلم الفرنسي فلما أظهر الرضا زغردوا.

نشعر بأننا محكومون بقوم من القاصرين. وأن الميراث السياسي الذي يستقون منه مواقفهم لم يرب لديهم نزعة استقلالية. لقد كانوا شهودا على أن فرنسا هي التي تراجعت للتسليم للتجربة التونسية الديمقراطية فبعد التمسك ببن علي حتى آخر لحظة سمعنا الرئيس الفرنسي يتكلم عن الثورة التونسية. لقد مجد الثورة أكثر مما فعل ممن وصل للسلطة أو عاد لها بعد أن اختفى من الساحة. كان رئيس المجلس النيابي يتلعثم وهو يتكلم عن الحراك الثوري المتقطع بينما ضيفه يتكلم عن الثورة التونسية.

نفهمهم الآن بشكل أفضل الاعتراف بالثورة يعني الاستجابة لاستحقاقات جذرية تعيد بناء البلد على مطالب الثورة لكن تهوين أمر الثورة يعني أن يسمحوا لأنفسهم بالتدرج على هواهم (أو يرتدون) ولكن لماذا كان ذلك أمام الرئيس الفرنسي. إنهم مرتبكون. وخطتهم الموروثة في بناء خريطة العمل على ولاء ذليل لم تعد تنتج الرضا الفرنسي لقد سبقهم الرئيس الفرنسي إلى الإقرار بأن حزب النهضة جزء من المشهد التونسي وأن فرنسا تريد ذلك وتراه نتيجة ثورة وعليهم أن يتعاملوا مع الأمر المقضي الجديد. ولكن هل ذلك محبة في النهضة أو إيمانا حقيقيا بالديمقراطية المتصالحة مع الإسلام؟.

السبق الاستراتيجي الفرنسي.

قراءة في خطاب الرئيس الفرنسي أمام البرلمان تكشف أولا الموقع التعليمي الذي اتخذه الخطيب فهو من يقدر النجاح و(يمنح العدد للتلميذ الممتحن) ولكن الأهم من الموقع هو المضمون. فالإسلام والديمقراطية يمكن أن يتعايشا ويقدما نموذجا للنجاح الذي يروق لمركز القرار الفرنسي ومن ورائه الأوروبي الغربي خاصة.

هذه الأطروحة الأمريكية بالأساس (خطة أوباما والحزب الديمقراطي) لم تكن مقبولة في فرنسا إلا بعد خطاب ماكرون. وهنا نرى أن الرجل يسترق ويستبق فيتخذ الموقف الأمريكي من محاولة إدماج الإسلام السياسي في المشهد العربي مبتدأ من تجربة صغيرة. (لا يمكن قبول مثلها في مصر مثلا) يسلم الفرنسي بذلك ليجد نصيرا له من الحزب الإسلامي (النهضة) فيربط بين ولاء النظام القديم لفرنسا وبين الولاء النهضاوي الجديد (الفرح المسرور بالجملة السحرية)

إنه يستبق أن يستفرد الأمريكي بالنفوذ في المغرب العربي وهو قريب من ذلك ويريده ويستبق أن يكون للإنجليزي موقع قدم على الثروات الطبيعية ( حدثت معركة طويلة ومعقدة بين طوطال الفرنسية وبريتش بتروليوم على ثروة الغاز التونسية منذ زمن بن علي) وربما أقول ربما فليس لدي معلومات إلا تخمينا كان لظهور الغنوشي مع بلير في دافوس بعض التأثير على موقف الرئيس الفرنسي.

إنه يستبق النفوذ التركي أيضا فتركيا قوة صاعدة وعينها على المتوسط الإسلامي ولديها أوراق قوية مثل تقانتها الصناعية وأسعار سلعها المنخفضة واستعداداها للمساعدة وهو يعرف أن أعداء تركيا مهما استقووا الآن لن يكونوا أقوياء دوما لأنهم حصروا الولاء لتركيا عند الإسلاميين في حين أن التونسي (العادي) يميل إلى السلعة التركية من الملابس إلى معاصر الزيت إذ يكفي فارق العملة بين الليرة واليورو..

الفرح النهضاوي الطفولي

لا يختلف الموقف النهضاوي عن موقف ممثل النظام القديم. فكلاهما انتظر الرضا. غير أن النهضاوي وهو يقنع نفسه بالفوز لم يتحدث (وقد يكون فهم وكتم) المقابلة الخاصة التي حظيت بها المناضلة النسوية والنائبة عن النداء وصاحبة مشروع تعديل الأحوال الشخصية الداعي إلى المساواة في الإرث وإلى إلغاء أحكام الفقه الإسلامي بخصوص نسب الأبناء.

هذا الملف رعته فرنسا منذ تأسيس جمعية نساء ديمقراطيات بتمويل فرنسي منذ أول الثمانيات وهي لا تزال مصرة على وضعه على طاولة التشريع التونسي(كانت قد غضت عنه الطرف زمن بن علي) وقد بارك الرئيس الفرنسي عملها وشجعها على مزيد دفعه بما يعيدنا إلى المربع الأول مربع فرض معركة الهويات في تونس وهي المعركة التي عطلت مسار البناء الديمقراطي منذ أربعين سنة فكيف يستقيم الرضا عن الديمقراطية واستعادة معركة الهوية؟

يعرف الفرنسي الذي قرأ روسو ومونتسكيو أن التشريعات تتطور من الداخل وأنها استجابة لحاجات داخلية قبل أن تكون أمرا مملى من الخارج ولكنه يصر على الإملاء وكل إملاء خارجي هو تدخل وفرض بمقابل هنا تتضح الصورة مقابل الرضا عن التجربة على التونسيين وخاصة على النهضويين ذوي المرجعية الإسلامية المطلوب المزيد من التفصي من مرجعيتهم والقبول بنموذج علماني فرنسي. ليعود المعلم لاحقا ويسند عددا أفضل للتلميذ الإسلامي والذي لن يكون إسلاميا في الزيارة القادمة.

هنا يصبح الفرح مستعجلا والجائزة منقوصة لأنها مشروطة بالمزيد من العمل أي القبول بمرحلة أخرى من الابتزاز. والتوقيت مختار بعناية ودقة

فقد زار الرئيس الفرنسي منذ توليه السعودية ولم يمل إصلاحا بل عقد صفقات كما زار المغرب ولم يتدخل في النقاش الفكري (بل اطمأن على حال الشركات الفرنسية في المغرب كما زار الجزائر ولم يتحدث عن إصلاح سياسي لما بعد بوتفليقة). لا توجد هناك انتخابات قريبة يمكن التأثير فيها ولكن تونس على مواعيد انتخابية بلدية ثم تشريعية ورئاسية. وهذا أوان الابتزاز. ابتزاز الإسلاميين خاصة.

في كل موعد انتخابي ظهرت فرنسا وتدخلت في النقاش التونسي ونصرت شقا دون آخر لذلك فإن الشهادة عن نجاح التجربة (أو تمجيد الثورة) ليس صادقا ولا حقيقيا ولن يترتب عليه موقف نهائي يسلم بأن التونسيين قد نضجوا وأنضجوا تجربتهم بأنفسهم.

مازال مبكرا أن نطلق الزغاريد لنجاح التجربة ومازال مبكرا على الإسلاميين أن يهنئوا أنفسهم بأن توافقاتهم السياسية قد فتحت لهم باب أوربا وصاروا فعلا شريكا في الديمقراطية.

لقد جاء الفرنسي ليقول للغنوشي وحزبه (دون أن يتواضع لمقابلته شخصيا) نحن راضون عنكم بشروطنا وعليكم المزيد من التقرب من جماعتنا في تونس. ولقد قبل النهضويون وشيخهم مبدأ الخضوع للابتزاز وسلموا للمبتزين بمكاسب لم يقبضوا مقابلها (بمنطق التوافق/ التدافع). لقد خرج النظام القديم منتصرا بفرنسا وخرج حزب النهضة أضعف وازداد هشاشة ضمن توافقاته القائمة مقابل جملة سياسية بلا ثمن سياسي. بل قبض ريح فنجاحهم ارتهن مرة أخرى لمعركة الهويات. التي تحرمهم من ثوبهم الإسلامي ولا تلبسهم ثوبا تقدميا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات