عزوني في استاذي ومعلمي وراعي ادبي…

Photo

عزوني في استاذي ومعلمي وراعي ادبي
وعزوا الرواية العربية في ابيها …
وعزوا الجامعة التونسية في مؤسسها وعامودها ..
كانت لديه مشاريع لجيل قادم …وعمر اخر …
اي اختصار قاس لطريق حافلة بالعطاء …
وداعا يا معلمي …

كان جبينه باردا تحت اللحاف الأبيض لكن أنفه لم ينكسر. ضمت الشفة أختها على موضع السيجارة الرويال كأنما غيرة على موضع متعة لم تنقض حتى قضت كانت الذقن حليقة ولكن شيب الرأس كان حريرا أبيض ينسدل على جبين صلد ووجنتين قاسيتين.

أما زرقة العينين فقد خشعت إلى الأبد. كان وجهه يطفح أدبا لطيفا في صمته الأخير كأنما يعزي معزيه في صبر على آمال عراض لم تنته. لم تسقط ذقنه على صدره ظل عنقه مشرئبا كأنه نائم فقط لولا برود الجبين تحت اللحاف الأبيض.

وكان يحرض الرثاء في خشوع ملهم فالكسر كبير لكن اللّغة الآن حصباء في العينين. لا تطاوع قلبا يخشع للموت. لعل رثاء يليق بموتك ينفجر ذات ليلة…في انتظاره ستبكيك البيض النواصع واليراع. فقد كنت للعربية بحرها والشراع. وكانت الجملة الفعلية قبضتك والذارع. ولقد بنيت رجالا وكل ذي رأي مثلك يسمع ويطاع. فسر يا معلمي أنت لأهل الأدب عينهم والسماع.

اخر فقرة كتبها الاستاذ (من مقدمته لروايتي جحر الضب) لم يكتب بعدها …كانت لدينا مشاريع سبقنا اليها القدر ….(ونعم بالله)

رواية عتيدة حافلة بالأشخاص جمّة الاحداث فالعلوي أستاذ باحث في علم الاجتماع، بصير بأنواع الناس، خبير بالنفوس، ملم بالأحوال، وكاتب متمرّس بفنيات القصّ. تصرَّف في الزمان بالتقديم والتأخير لاحقا قبل سابق وسابقا قبل لاحق، وفصّل النصّ فصولا أزواجا تخرج بنا في كل حين من موقف إلى موقف ومن حال إلى حال. أسلوبه في السّرد متين كقوّة طبعه الجنوبي، والعبارة كفِكْرٍه، جريئة تسمّي الحقائق بأسمائها.

الواقعية مذهبه، عارية بلا تنميق ولا تزويق، حادّة بلا تلطيف من توِرِية أو كِنَاية. وما حاجته إلى الملاينة فإنما غرضه التشهير لا الستر وكفاه من صدق إحساسه بخطورة الأوضاع واختناق النفوس، تنبؤه بالثورة قبل قيامها، فما أكثر ما دعا حمادي على الناس بالحريق حتى اندلع في الحقيقة بعد الخيال، وفي التاريخ لا التخريف كأنه إذا "دعا قال الدهر آمينا". وهل حمّادي الا لسان الكاتب، قناعه في النص وترجمان أفكاره.

وها من الرواية طار إلى سيدي بوزيد شرار، وأكلت بوعزيزي النار، وامتد اللهب في البلاد، فطار "المنقذ" وأنهار النظام وسادت بعد الاستبداد الحرّيات.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات