يحق لنا الحديث عن دروس سمحت لنا بها انتفاضة التشغيل في القصرين ومناطق التهميش سنة 2016 ويحق لها إضافة أسبوع أحمر آخر لجانفي التونسي الأحمر وهذا بعض ما استقر لدي دون تعليم أو تلقين وللمتابع الجدي سديد النظر.
الدرس الاول :
أن الثورة لم تقل كلمتها كاملة بعد وأن الملف الاجتماعي وجوهره التشغيل الاستحقاق الفعلي مازال على طاولة الثورة ولا يمكن تجاوزه أو تمويهه أو القفز فوقه بحلول ترقيعية سريعة مما جرى به الأمر في سنوات الديكتاتورية. ومن لم يفهم ذلك من الطبقة السياسية فهو لم يفهم الثورة ولا ينتمي اليها.
الدرس الثاني:
أن ردة فعل الجمهور الواسع ممن وافق المحتجين السلميين متبنيا بيانات المعتصمين وشرعية نضالهم يقف الموقف الصحيح من مطالب الثورة وبالتالي فهو في الموقف الصحيح والمشروع.
الدرس الثالث:
أن محاولة إسقاط النظام(أجهزة الحكم( بواسطة الانتفاض الاجتماعي المنفلت صارت وراء التونسيين وربما هي وراءهم منذ جانفي 1978. فمعارضة النظام مشروعة أما إسقاط الدولة (كل المؤسسات( فأمر غير مثير للحماس. وربما يفسر لنا هذا أيضا سرعة فض القصبة والانخراط في مسار انتقالي سياسي غير عنيف على ما فيه من صعوبة ومعاناة مع جسد النظام القديم. (لدي شعور بأن التونسيين يؤمنون بالدولة وإن كفروا بالنظام لذلك هم إصلاحيون في مجملهم وليسوا راديكاليين على الطريقة السبارتكية )(يمكن التفلسف كثيرا حول الأمر(متى بدأت الدولة تستقر في نفوس الناس) ولكن النتيجة الظاهرة لي (ولست عالما) أن التوجه العام لدى النخب ولدى الشارع حتى الفقير منه هو العمل عبر التحسين التدريجي وليس مسح الطاولة و اعادة البناء.)
الدرس الرابع :
ان الانتفاض الاجتماعي المشروع الآن ودوما معرض بسهولة للاختراق من قبل فئات شبابية تعيش وضعا نفسيا شديد التوتر وقد ضعف احساسها بالانتماء وهي نفس الفئات التي تستسهل الحرقة (عبر البحر أو الحرقة إلى السلفية القتالية) وهو ما يطرح على كل من يفكر في الاحتجاج ضرورة أن يؤطره ويحميه من مجموعات التخريب (les casseurs) الذين كانت أهم أهدافهم في انتفاضة التشغيل المشروعة هي القباضات المالية.
الدرس الخامس :
أن الاستغلال السياسي (من النخب والأحزاب لما جرى) مازال محكوما بتوريط بعضهم بعضا في النتائج السيئة وليس في قراءة النتائج الإيجابية. والحملة على الجبهة الشعبية من طرف الرباعي الحاكم هي من جنس توريط اليسار للنهضة في انفلات السلفيين طيلة فترة حكم الترويكا. إن السلفيين (الدواعش كما التكفيريين الذين يزعمون تملك حقيقة الايمان دون غيرهم) كما وجود جماعات الكسارة هم مشكل يستهدف الجميع وليس وسيلة بيد حزب موجه ضد الآخرين. وكل تأخر أو تردد في قراءة الأمر على هذا الوجه يؤجل الحلول ويعقد المشهد.
الدرس السادس والاهم:
أن هروب النظام السياسي مهما كانت تكوينته الآنية من ضعف ومن جهل ومن سوء نية غالبا من حل المعضلة الاجتماعية يبقي المشكلة مفتوحة وتهدد الاستقرار .وأن الشجاعة السياسية (الوطنية ) تقتضي التوقف الأن وهنا لبدء العلاج الحقيقي والفعال لمشكلة التشغيل وتطبيق مبادئ الدستور في الميز الايجابي لصالح المناطق المهمشة. وما لم يبدأ ذلك فإن التهديد يظل ماثلا ويتفاقم في أفق انفجار كبير يجعل ما قيل أعلاه من إيمان التونسيين بالدولة والتدرج الاصلاحي هراء نخبويا.
لقد ذكر الشارع الهامشي والمهمش بمطالبه بلغة راقية (ظهرت في بيانات المعتصمين حتى الان) ولكن لا أحد يضمن هذا الاحتجاج الراقي عند تواصل سياسات الترقيع والحقرة التي ظهرت في الاجراءات العلاجية التي أعلنتها الحكومة حتى الآن.
واذا كانت الحكومة قد أفلحت في ضبط ردة فعل الامنيين وفوتت المصادمة فإنها لن تستطيع فعل ذلك دوما بنفس الرصانة. قد يدفع الاحتجاج رجل الأمن إلى الدفاع عن نفسه بقطع النظر عن أوامره العليا. وساعتها سيطيش الرصاص ولن يوجد من يوقف حمامات الدم.
الدرس الأبدي: أن هذا الكلام موجه فقط للأشخاص الذين يصبرون على منشور به أكثر من 10 كلمات هازلة.