تبصر بالليل ...وتشم الأرواح من حولها ...وتهتدي بالندى. تتسرب بلطف ناعم فلا يراها أحد تحقق مبتغاها كفكرة صائبة وتسمم كأفعى. الأفعى لا نظير لها إلا أفعى أخرى. يمكن اتخاذها شبها لشيء لين يتسرب في الصمت كخاطرة أو عطر. أو يمكن التشبيه بسمِّها إذا قال قائل كلاما من سم في غير موضع السُّم . لكن الأفعى لها روح بصيرة بشيء ما. الأفعى تهتدي وحدها للصواب وتعلمني ولا أتعلم. الشيطان يسكن في جسد الأفعى إذا غضبت. تلتف كما يلتف الشيطان وتقول كلمتها الحاسمة. الشيطان يتلف أيضا على نفسه إذا غضب. وقد غضب بعد أن كان حتى الأيام الاخيرة يكلمني ويقول لي أنا فقدت بيتي الأخير.
فكن أفعى لأسكنك فأهديك سواء السبيل. لكني انكمشت على نفسي بلا سم ولا غضب. كان الطقس شتاء ثم اكتشفت أن الشتاء أزل. بحثت عن سمي في شدقي فلم ألدغ فراشة . الشتاء الطويل أفقدني سمي فلم انسرب من بين شقوق الفصول إلى روح أخرى وسُمٍّ جديد. أفعى الشتاء غبية وتحب الحفر الدافئة لتنام . أنا في حفرة دافئة الآن ولا ألدغ لذلك يلدغني بشر سام لا يتورع. الأفعى لا تدب في دمي والشيطان يفقد أمله في زعاف فمي ويتركني لنص عادي يقرأه العوام فلا يجدون بريقا ويقرأه غيرهم فيقولون حنش الماء الرطيب يصلح عشاء على مائدة عامرة.
بصيرة الأفعى لم تعد مبصرة. أنا ألْيَنُ ملمسا من حنش الحنكليس. كان الشاعر يقول لي واصفا قلبه ..جعلتني دمعات الحزن كمنديل عرس طريا لا أجرح خدا وقد صرته ففهمت الشاعر بعد جهل. فلم أجرح ولم ألدغ وصار سمي الماء. والماء يعطي الآخرين حياة ويذوي في شرايينهم. أنا الآن ماء غبي. حدثني المرجون عن الخوف وعن دفء الحفرة الجاهزة فوقعت فيّ كما تقع أفعى في شتاء طويل. ماذا يبقى من الأفعى إذا فقدت بصيرتها النافذة وماذا يبقى من الرجل إذا حسب السلامة في الطريق.
الأفعى مبصرة في الرمضاء أكثر مما تكون في الحفر الدافئة والرجل يصير سامًّا إذا قال ما يريد بصوته لا يستعير له محملا غير الرجولة. الرجولة نار الكلام في برد الصمت الجبان. ولقد أشعل الشهداء ناري بعد برد طويل فهممت ولكن ذاب سمي في لزوجة الاعتدال. وصار ماء دافئا كالمنيِّ المهدر في الاحتلام.
أفعى الصيف أمنية باهرة كوسوسة النصوص إذا جلس الشيطان على كتفي وقال اكتب كرجل. يعرف الملعون أن يدفِّعني الثمن خارج الحفرة. الحفرة دافئة لكنها بلا نص تصير منتجعا للطحالب. انا بين الطحالب والنص كما تكون الأفعى بين الرطوبة والرمضاء . السم في الرمضاء بصيرة كاتب الرمضاء تخلق السم في دمي فأصير أفعى فأبصر. ويقول لي الشيطان مرحى. فنبصر عورة العالم ونعريها ونضحك .
المحاذير الطيبة أفقدتني بصيرتي وأحتاج أفعاي الآن لأكون. فالرطوبة صيرتني لزجا كعشاء برجوازي .