عرب القرن 21 و دروس التاريخ ..
بعيدا عن اشكال العناد الايديولوجي المفوت تاريخيا يجب الاعتراف ان الشعوب العربية تقبع الان على هامش الموجة الخامسة تقريبا من التحولات العالمية الكبرى التي استفادت من موجاتها الاربعة الماضية شعوب اخرى من اروبا الغربية و امريكا الشمالية ثم اروبا الشرقية و شرق اسيا و جنوبها الشرقي و لامست الاستفادة من الموجة الثالثة بعض دول امريكا الجنوبية و اروبا الجنوبية و التحقت بالرابعة دول افريقية و بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي المتصدع .
عرب غرب اسيا و شمال افريقيا ظلوا الى حد الان خارج كل معادلات البناء و النهضة رغم الامكانيات الجغرافية و الديمغرافية و التاريخية التي جعلت " الشرق الاوسط" ( تسمية استعمارية ) " هارتلاند العالم " اي قلبه الذي تجري فيه و من خلاله على امتداد القرنين الماضيين كل ترتيبات الكون .
موجة الاستقلالات الوطنية التي شهدها العالم العربي بعد خلاصه من معاهدات الانتداب و الحماية و قبلها من ثقل الانحطاط المرتبط بتركة الرجل المريض ( العثمانية ) لم تساهم الا بأقدار ضئيلة في تحقيق انتظارات البناء التي دعا اليها فكر الاصلاح و النهضة كما صاغ طلباته مفكرو النخبة في القرن 19 و اوائل القرن 20 فقد استفاق العرب منذ سبعينات القرن العشرين على اعاقات " دولة الاستقلال" ( الدولة الوطنية / الدولة القطرية ) التي فشلت في البناء الوطني و تحقيق النهضة و قصرت عن تحقيق مطلبي الحرية و العدالة و هو ما ادى الى نشأة تيارات حركة " التحرر العربي " المعاصرة اي حركات المعارضة و الاحتجاج على قصور " الدولة الوطنية " من يسارية و قومية و اسلام سياسي و ليبيرالية وطنية ثم الحركة الحقوقية العربية او منظمات المجتمع المدني المعاصرة ..اهتم كل تيار من هذه المعارضة العربية بعنصر من عناصر فشل الدولة الوطنية ( العدالة …التداول السلمي على السلطة ….الاستقلال الثقافي / ازمة الهوية …الحقوق و الحريات …بالاضافة الى المشكل المركزي وهو الهزيمة امام المشروع الصهيوني ) .
يجب الاعتراف بالحصاد الهزيل لدول " الاستقلال " او الدولة الوطنية على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين .هذا الحصاد الهزيل هو السمة المشتركة لدولة الاستقلال المدنية ( نظم الحزب الواحد ) بملكيتها و جمهوريتها و العسكرية ( نظم الانقلاب / ثورات الضباط على الملكيات البائدة ) كما ان هذا الحصاد الهزيل كان مشتركا بين النظم / الدول الوطنية التي اختارت الاصطفاف مع المعسكر الغربي او الشرقي .و لذلك مرت على العالم الموجات الثلاثة للنهوض و البناء في القرن العشرين و الذي انتهزته دول اسيوية و لاتينية و حجبت عنه الدول العربية التي لم يكن حظها احسن في الموجة الرابعة .
منذ اواخر القرن العشرين و بداية العشرية الاولى في القرن 21 تبين بوضوح ان ثنائية الاستبداد و الفساد مضافا اليها واقع التجزئة و الحضور الصهيوني ستبقى مانعا للنهوض العربي و معيقا للاستفادة من موجة عالمية خامسة لترتيب البيوت الوطنية و المحلية و الاقليمية . لم يكن للعالم العربي اوائل القرن 21 مشروع ذاتي للنهوض و هكذا برز مشروع "الشرق الاوسط الكبير " بعبارة. شمعون بيريز. او " الجديد " بعبارة وزيرة خارجية المحافظين الجدد " كونداليزا رايس " باعتباره المشروع الوحيد المطروح للعرب كمقترح من قوى خارجية تماما مثلما كانت باستمرار المشاريع المقترحة على العرب منذ القرن الفارط من الثورة العربية الكبرى و لورنس الى سايكس بيكو وصولا الى كامب ديفد و اوسلو .
منذ عشريتين يعتمل في هذا العالم المحجوب على النهوض و البناء مشروعان جنينيان تحاصرهما عوائق ذاتية و موضوعية ليشتد عودهما و ياتلفان كمشروع واحد للمنطقة و هما مشروع مقاومة تتألق في مواجهة السرطان الذي ينخر المنطقة و يمنعها من الاستئناف التاريخي ثم مشروع اعتراض شعبي و حشود ناهضة في مواجهة نظم استبداد و فساد تمنع ولادة مشروع وطني للبناء و النهوض تنال به شعوب المنطقة حقها على طاولة الامم .
اصبح واضحا و نحن في العشرية الثانية من هذا القرن العاصف ان من عوائق النهوض ايضا غياب نخبة عربية جديدة مطابقة للتاريخ و محينة على زمنية العالم تستطيع صياغة مفردات المشروع الوطني الجديد لشعوب منطقة مثقلة بالملفات و الاسئلة التي لم تحسم اجوبتها في قضايا الهوية و التاريخ و الاعراق و المذاهب و الدين و العلمنة و الثروة و الوحدة و التجزئة و الحرية و النظام و القيمة و النجاعة و الكوني و الخصوصي …اسئلة كبرى و دولة تقليدية تذوي و تتضاءل و مجتمعات تتفجر و تخرج ما في اعماقها من حيرة و انتظارات .. لكنها اوطان مازال لاعبوها نخب تقليدية ترقد في كراريسها الايديولوجية التي اصفرت اوراقها و لم تعد قادرة على صناعة البناء و الجواب، بل اصبحت بدورها عوامل اعاقة …و للحديث بقية .