تقدير موقف .
استخلاصي بأن المشهد التونسي وترتيباته خرج من أيدي الفاعلين السياسيين التقليديين بأطيافهم المتقابلة والذي اصبحت اعبر عنه منذ أشهر بوضوح في بعض الكتابات والتدخلات الاعلامية ، هو الاستخلاص الذي صارحت به اصدقائي المقربين بعد سنة كاملة من فشل محاولات بذلها شارعنا الديمقراطي بقيادة " مواطنون ض ا " في الدعوة الى الحوار والالتقاء الوطني الجامع لصياغة الشرط السياسي للحل المشترك بين الجميع على قاعدة استعادة المسار الديمقراطي اخذين بعين الاعتبار وجهة نظر الدولة ومن دخلها او خرج منها وتداول فيها على الحكم والمعارضة بمن فيهم حتى من انتصروا لشعارات 25 التي تتحدث عن استئناف الثورة وتحقيق اهدافها في تفكيك منظومة الفساد واستعادة استقلال القرار الوطني وهيبة الدولة والتي كان اختلافنا مع من يرفعها اننا نرى باستحالة تحققها بالحكم الفردي بل بإصلاح الديمقراطية .( انظر النص التأسيسي للمبادرة الديمقراطية الذي اعلناه في اول اسابيع نشأة مواطنون ) .
كان عناد الطبقة السياسية المسماة ديمقراطية و التي ادعت مناهضة 25 في رفضها دعوتنا للالتقاء واصرارها على الاستقطاب مع النهضة ، فضلا عن تقصير من استلموا بعدنا امانة جبهة الخلاص في توفير شروط هذا الالتقاء ،كان الامران ، سببين كافيين لتضع الطبقة السياسية نفسها خارج مدار طاولة تقرير المصير السياسي للمشهد.
وبناء على هذا العجز عن الالتقاء اتجهت السلطة، وكل سلطة ميالة بطبعها دوما الى الفردانية ، الى الادارة الفردية للازمة السياسية لكن دون ان تتمكن هي نفسها من تحقيق انجازات ظاهرة في المجال الاقتصادي وهو ما سيحد من هامش استقلال قرارها الوطني في عالم متربص بالضعفاء والبلدان المأزومة سياسيا واقتصاديا وفي اقليم يمكن ان تعصف فيه الازمات والانقسامات الداخلية بكل مقومات السيادة .
تحول الشأن السياسي الوطني الى مجال أممته الدولة في سياق مزاج شعبي غير ميال الى طبقة سياسية منقسمة فخرجت ترتيباته من يد المجال السياسي التقليدي باعتباره مجال الصراع التعديلي والرقابي بين القوى وخرج حتى من مجال المجتمع المدني ومنظماته التي سبق ان ادارت وطنيا ازمة 2013 وأصبح اطراف المجالين المدني والسياسي بصراعاتهم ومناكفاتهم وعجزهم عن اجتراح الحلول وعن ادارة التسويات والمفاوضة خارج التأثير بل سببا في الازمة .
وبهذا المعنى تبدو الان الدولة وسلطتها واجهزتها وسياقها الاقليمي ومجال جغرافيتها السياسية واكراهاته هي المحددات الوحيدة في طبيعة المستقبل السياسي للبلاد وتجد الاحزاب والمنظمات نفسها خارج مجال الفعل والتأثير وما عليها الا ان تعترف بذلك وتتجه الى اعادة بناء نفسها وترميم تصدعاتها ومراجعة مسيرتها واطروحاتها وتجديد كادرها وحكاياتها السياسية اذا ارادت ان تستعيد فاعليتها استراتيجيا في المدى المتوسط والبعيد وهذا الاعتراف لا عيب فيه فقد خرجت شعوب وامم ، بسبب اخطائها ، من التاريخ في مرات كثيرة ولم تستعد دورها الا بعد فترات طويلة فما بالك بأحزاب ومنظمات لم تفعل غير تكرار الاخطاء والعناد حين كنا ندعوها الى كلمة سواء للدفاع عن الديمقراطية والتشاركية السياسية فركبت رأسها نكاية في بعضها بعضا .
يبقى ان اقتناعي بهذا الاستخلاص لا يعني اني اعتبر الحل السياسي خارج ارادة القوى السياسية امرا جيدا ولكني أوصف الامر بعيدا عن كل ارادوية او منح اوهام كانت ستكون حقيقة لو استمع الينا المعاندون في الاشهر الاولى بعد 25 قبل ان تقرر السلطة انهاء المجال السياسي ورفض التعاطي معه .
ومن هنا لا اعتبر ان هذا الاستخلاص ، رغم صحته، يمنح الدولة / السلطة وقواها وعقلها واجهزتها وسياقها الاقليمي صكا على بياض لتتصرف بمعزل عن مكونات المجتمع السياسية والثقافية وبالضد عن ارادتها فلا حلول دائمة ومستدامة للأمم والشعوب والاوطان الا اذا كانت متناغمة مع انتظارات القوى المجتمعية المتنوعة والا اصبحت ترتيبات مبنية على فراغ في مهب الريح .سيكون امرا جيدا لو ذهبنا في الوقت هذا الى اجراءات عاجلة وانفراجية اذ سيكون حل سياسي قائم على شراكة قوى رغم ضعفها خير من ترتيبات تكتفي الدولة -في هندستها- بذاتها ...ولكن …