تلقت الحركة السياسية المناهضة للانقلاب في الايقافات الاخيرة ضربة موجعة تضاهي في حجمها الضربة التي تلقاها مسار 25 جويلية في انتخابات 17 ديسمبر الماضي .
يمكن القول دون شك ان جبهة الخلاص -الطرف الابرز في المعارضة- كانت اكثر المتضررين فبعد ايقاف الرجلين الأقويين في الحزب الاكبر داخل الجبهة ونعني بذلك المهندس علي العريض والاستاذ نورالدين البحيري لتعطيل الماكينة التنظيمية وخلق الفراغ القيادي والسياسي حول "شيخ الحركة " مرت السلطة الى اعتقال ثلاثة من أهم القادة الجبهويين في مهام التشبيك والتفاوض والظهور الاعلامي اي جوهر وشيماء والاستاذ رضا بلحاج .
تضرر الجبهة يأتي ايضا من تضرر الحركة السياسية في مناهضة الانقلاب حيث مثل اعتقال الاستاذين عصام الشابي وغازي الشواشي ضربة لعملية الالتئام الممكن باستهداف اهم عنوانين لهذا الالتئام الممكن في الشارع الديمقراطي اذ طرح الاول مقترح المؤتمر او اللقاء الوطني للحوار بين الاطراف المتمسكة بدستور 2014 في حين يشتغل الثاني على مبادرة وطنية تحاول وضع اطار سياسي وخارطة طريق يمكن ان تجمع عليها هذه الأطراف في اطار ما يمكن تسميته بالبديل الديمقراطي الذي مثل غيابه باستمرار نقطة قوة لحساب السلطة القائمة فضلا عن الانقسام السياسي وغياب تجديد الخطاب والكادر السياسي وتأخر الاتفاق على سردية مشتركة يتم التوجه بها الى الشعب التونسي في تقييم العشرية واجتراح الحلول الاقتصادية والاجتماعية لاستعادة ثقته في الطبقة السياسية التي ادارت حكما ومعارضة مسار الانتقال المتعثر .
الموجع ايضا في هذه الضربة ان يكون هذا الاعتقال التعسفي في سياق خلط شعبوي متعمد بين الاعتقال السياسي لقادة الحركة الديمقراطية ودعاوى المحاسبة والتصدي للتدخل الاجنبي في استقلالية القرار الوطني ومزاعم التامر على أمن الدولة .
لقد كان اعتقال القادة في سياق ملف تم فيه اقحام اسمين مثيرين للالتباس ممارسة رخيصة ونزولا بالصراع السياسي بين السلطة ومعارضتها الوطنية الى ادنى مستوياته الاخلاقية .
محاكمة قيادات الحركة الديمقراطية ضمن ملف غريب يظهر فيه اسم رجل الاعمال كمال لطيف - المعروف بادارته لكثير من العمليات السياسية في العشرية الماضية عبر اسلوب الغرف الخلفية والاستثمار في صراع اجنحة المنظومة والسلط القائمة والمشهد السياسي المعقد بعد الثورة - واسم هنري برنار ليفي الذي ارتبط اسمه بالتدخل الكولونيالي الغامض في تحولات الربيع العربي وصراعاته وحرائقه المتداخلة... كل ذلك عبر ربط الملف بمحاولات تجميع سياسي اشتغلت عليها شخصية وطنية لا يعرف عنها الشعب التونسي الكثير وهو السيد خيام التركي ...هو اسلوب خطير منح الاعتقالات طابعا هوليوديا تريد فيه السلطة القائمة ان تمنح اتباعها احساسا شعبويا باستهداف "وطنجي" لحركة ديمقراطية " عميلة " .
العناصر الغامضة في ملف مركب بدأت بعض ثغراته في الظهور تؤكد بوضوح ان الحركة الديمقراطية الوطنية ومناضليها المدافعين عن الدستور يراد لهم ان يكونوا جزءا من مشهد كامل يتم التخطيط لتجريفه من قبل فاعلين متناقضين أو متقاطعين وضمن مسار معقد يتخذ فيه الصراع السياسي منعرجا دراماتيكيا تختلط فيه الاوراق داخليا واقليميا ودوليا وأصبحت فيه الدولة واجهزتها نفسها مدارا لهذا الصراع الجهنمي والمعقد .
الحركة الديمقراطية اليوم بقيادة جبهة الخلاص مدعوة اليوم الى معركة ذات مستويين اثنين :
اولا : معركة حقوقية لا هوادة فيها يتم عبرها انقاذ المعتقلين من فلول ماكينة مفرمة استبدادية عمياء لا يخفى فيها بروز رائحة انتقام ما تبقى من عقيدة سلطة بوليسية تريد الانتقام من ثورة زعزعتها ومن مسار ديمقراطي حجمها تحت هتاف حشود شعبوية وتبريرات تيارات وشخصيات وظيفية رخيصة لا تخفى علاقاتها الوسخة سابقا ولاحقا بمنظومات فساد واستبداد وعمالة .
ثانيا: معركة سياسية يتم فيها التذكير بالخطاب الحاسم الذي حكم نضال الشارع الديمقراطي في مناهضة الانقلاب بما هو نضال وطني لاستعادة الشرعية والحكم التشاركي في مواجهة الفردانية لا في مواجهة الدولة و قادته قيادات لا يستطيع احد ان يزايد على وطنيتها او ان يتهمها بخلط اوراقها بالملفات المشبوهة .
يجب ان تذكر القيادات الحالية للجبهة والشارع الديمقراطي سلطة الامر الواقع وما تبقى من عقل الدولة بمبادئ الفروسية في الصراع الذي تم خوضه على امتداد سنة ونصف بوجوه مكشوفة وخطابات واضحة اما محاولة الصراع مع القيادات الوطنية عبر الوصم وتركيب الملفات وخلط الاوراق فهذا لن يخدم حقا الا الفاسدين فعلا والعملاء حقا .
ان الشارع الديمقراطي بالأساس هو شارع الدفاع عن الدولة الوطنية التي كان بجب ان تتطور بفضل الانتقال الديمقراطي الى دولة المؤسسات والقانون والحكم الدستوري لأن هذه الدولة الديمقراطية وحدها هي التي تستطيع استعادة هيبتها في مواجهة الفساد والعمالة ونهب ثروات الشعب وهي وحدها التي تستطيع خوض معركة الاصلاح الفعلي لمواجهة ما تراكم فعلا عبر عقود من فساد سياسي ومالي لم تستطع حقا الطبقة السياسية في العشرية الماضية مواجهته ولعل كثيرا منها كان ضحية وظيفية او شريكا عضويا له .
ان الديمقراطية التي ناضل من اجلها القادة السياسيون الذين يقبعون اليوم في المعتقل هي وحدها صمام الاستقلال الوطني وهي وحدها الاداة الحقيقية للإصلاح وتصحيح المسارات اما الحكم الفردي فمهما تزين بالنوايا الخطابية فانه لن يكون في احسن الاحوال الا ضحية لأخطبوط نظام قديم تشابكت فيه المصالح ويمكن ان يحول كل معركة لصالحه .