مقدمة في قول عن رحيل البطريرك
سيرة الباجي و وفاته تحملان ثروة رمزية عميقة يمكن استثمارها في نصوص باذخة و جميلة لصالح دولة الاستقلال و دور رجالها في البناء الاول و التأسيس الثاني رغم ان الثورة قامت على امتدادهم النوفمبري …
لكن المحمولين على هذا الارث البورقيبونوفمبري من اعلاميين و سياسيين و كتاب اثبتوا اليوم كتابة و مشافهة مثلما اثبتوا على امتداد هذه السنوات الثمانية انهم أحمق من صياغة نصوص جميلة تثمن هذا الارث الذي يدعون الانتساب اليه …
ما قرأته على بورقيبة و الباجي و ما سمعته و قرأته اليوم و امس و قبله من هؤلاء البورقيبونوفمبريين المسيطرين على ساحة الانتاج الرمزي الاعلامي و الثقافي هو أتعس من ان يعبر على هذا الارث و البعد الرمزي …انهم يكتبون و يتكلمون بشكل رديء لأنهم سطحيون يفسدون حتى ما يزعمون الدفاع عنه …هم ليسوا من مدرسة النص الجميل و العميق انهم من مدرسة " البروباغاندا " ثقيلة الروح و بليدة الصياغة و باردة القلب لان العقل فارغ …
لم و لن يكتب بشكل جميل و عميق على الباجي و جمالية و رمزية رحيله و سيرته إلا من عارضوه تماما مثلما لم و لن يليق ببورقيبة إلا من عارضه …سنكتب نصوصا عميقة و حية تذهب بعيدا في فهم رمزية سيرة و وفاة الباجي مثلما كتبنا نصوصا حارة و نابضة بالحياة في معارضته ….
" الناس " الذين اصطفوا اليوم على جنبات الطريق لوداع " اخر رجال بورقيبة رئيسا " كانوا يمارسون اخر طقوس العلاج من " فاجعة موت الاب " و هي الطقوس التي حرموا منها عند وفاة بورقيبة …لم يكن ممكنا ممارسة هذا الطقس العلاجي إلا مع اخر " صورة للأب " التي ظهرت يا للمفارقة في سياق " ديمقراطي " يجب ان يكون منتهاه موت " الرئيس الاب " لكن سرعة " الحدث الثوري " و مصاعبه و المؤامرات التي حفت به جعلت " الناس " في انتخابات 2014 ينكصون سريعا لصورة " الاب " احتماء من " ثورة محاصرة " لم تتمكن سريعا من معالجة " جرح الموت الفجئي " للحاكم " الراعي " الذي هرب ذات شتاء 2011 بما هي حشود لم تتخلص سريعا من " احساس الرعية " ….
اليوم تدرب " الناس " على حسن تقبل " موت الاب " حين عاملته " ديمقراطية الثورة " بما يليق بوفاة " الحاكم الخادم للناس " و بهذا " التدريب اندمل جرح رؤية " الاب الرئيس " الذي مات منسيا حين تعامل" الاستبداد " مع موته بفداحة عصاب اوديبي لحاكم بوليس لا يحب " ابوة " يخجل منها فيقتلها ليكون موته في سنوات الالفين مؤلما مثل ألم الخصي او وجع الختان الذي تم بلا بكاء .. .
حين تجعل " الديمقراطية " رحيل " الاب " لطيفا سلسا مثل قطع حبل السرة عندها يكون رحيله اخر حلقات " الحاكم الاب " لينضج الابناء و " تتمأسس " الكاريزما لتصبح الدولة الديمقراطية هي كاريزما المؤسسات وهو بلغة ماكس فيبر ما نسميه بالضبط la routinisation du charisme