مثلما توقعنا و توقع كثيرون كان اعلان الاخ نورالدين الطبوبي بالقبول المبدئي لرئيس الجمهورية بمبادرة الحوار الوطني للاتحاد اعلانا بالذهاب قريبا نحو تسوية الاكراه المؤقتة التي تقتضيها مصلحة البلاد المحاصرة بمخاطر اقتصادية و اجتماعية مخيفة .
بهذا الاعلان ينتهي مؤقتا المخطط الفرنسي الاماراتي بتعفين الاوضاع التونسية و كسر المسار الانتقالي و الذي انطلق منذ اعلان نتائج انتخابات 2019 و تسارع منذ الصائفة الفارطة بعد سقوط حكومة الفخفاخ و تحت عناوين تتراوح بين تعطيل البرلمان و مسلسل سحب الثقة من رئيسه وصولا الى الدعوات الى محاصرته و اقتحامه ثم الدعوة الى اعلان العصيان المدني و ترفيع نسق المطالبة بحل البرلمان و انتهاء بتظاهرات الشغب الليلية و تسخين الشوارع و تحريض الامن .
عقدة الازمة بلغت اوجها مع رفض رئيس الجمهورية القبول بتحوير " حكومته " الاخيرة. و انقسام المشهد السياسي بين حلف قرطاج البرلماني و وسادة القصبة البرلمانية .
الاختلال الواضح في ميزان القوة بعد مظاهرة 27 فيفري و برود العلاقة بين المنظمتين الاجتماعيتين و قرطاج بالاضافة الى زلزال التسريبات مثلت عوامل داخلية لمحاصرة مخطط الفوضى .
دخول بايدن الى البيت الابيض من جهة و حسم النزاع في ليبيا من جهة اخرى فضلا عن التطورات الاقليمية الواضحة التي وضعت المحمدين ابني زايد و سلمان في الزاوية و خيبات فرنسا في مجالها الحيوي كانت كلها عوامل حاسمة في تراجع خيار " تفتيق التجربة التونسية من بعضها " بلغة التسريبات .
ضغوطات المانحين الدوليين و حذر "عقل الدولة العميق " و توجس مراكز النفوذ و المصالح المحلية و الاقليمية و الدولية من مخاطر مشروع الفوضى و غموض بدائله جعل الضغط قويا على مختلف القوى المتصارعة للذهاب الى خيار الحد الادنى من الاستقرار باعتباره نقطة الالتقاء المحايدة على قاعدة لا غالب و لكن بمغلوب واحد هو خيار الفوضى و كسر المسار .
سقوف مغانم تسوية الاكراه لن تكون عالية .حيث لن تتجاوز اكثر من ضمان توافقات اقتصادية و اجتماعية تنقذ ما تبقى من وضع مادي و توازنات مالية تحاول الاستفادة من متنفسات التسوية العامة في الاقليم و لن تتجاوز اكثر من الاتفاق على استكمال هيئات و قوانين تنظيم المشهد السياسي و استكمال وضعية ديمقراطية هشة للاستعداد لموعد انتخابي نقدر ان لا يتجاوز موفى 2022 لاعادة ترتيب مشهد سياسي و حزبي نهائي يضمن الاستقرار في الديمقراطية سياسيا و الانجاز اقتصاديا .
تبقى مع ذلك السفينة التونسية تسير ببطء دون اطمئنان نهائي باعتبار امكانية هبوب عواصف غير متوقعة يمكن ان تهدد مسارها ما يجعل التسوية القادمة في الايام المقبلة مجرد تقدم حذر و غير مضمون نهائيا رغم التصميم الواضح من الفاعلين الرئيسيين داخليا و خارجيا على حماية تجربة الحد الادنى للديمقراطية العربية الوحيدة في المنطقة التي ظلت تنجو باستمرار من كل الفخاخ التي نصبت لها …و ننتظر و نرى ….