تجربة سياسية ائتلافية "مواطنية " كما سمت نفسها ولدت بضجيج محترم و لافت رغم محدوديته و لكنها انتهت في صمت مطبق قبل ان تكبر . نهايتها كانت سرية عن الناس و عمن وعدتهم و صنعت لهم أملا بقائمة الاسماء المحترمة التي ضمتها و التي ترشح بعضها مع ذلك للتشريعية بعد ان غير الاسم الاصلي للتجربة بإضافة كلمة له احتراما بطبيعة الحال لحق زملائه باعتبار الاسم الاصلي تابعا لتجربة فشلت .
ليس هذا هو المهم لأن التجارب السياسية معرضة للنجاح و الفشل .أمران يهمانني فقط في هذا الخبر احدهما ذاتي و الثاني موضوعي .
اذكر ان ضيفين ناطقين باسم التجربة ابان ولادتها حضرا لتقديمها للمشاهدين في برنامج بتوقيت تونس و كنت يومها محاورا لهما بصدفة التداول الزمني على الحصة .قمت بما يقتضيه دوري من تدقيق في الاسئلة و الالحاح على دقة الاجابة و اعددت للضيفين مأدبة نقاش حقيقي بالمعلومة و معرفة بأسماء المبادرين و تنوعهم / تناقضهم التاريخي سيرة و افكارا و انتماء لمعرفة ارضية اللقاء الجديدة و طبيعتها ان كانت حزبية او جمعياتية و تساءلت عن صيغة اتخاذ القرارات مستقبلا و طبيعة الانتظام و الانتساب و غير ذلك مما يقتضيه حوار عميق و مؤدب مع من يقدم نفسه للشأن العام .
لا أستطيع ان اقدم حكما على نجاح او فشل الضيفين المتكلمين ليلتها باسم المبادرة و لكن ما يهمني هو ما قرأته بعد ذلك في تدوينة احدى المناضلات الحقوقيات التي اكن لها كل الاحترام لكفاحها التاريخي في مواجهة الاستبداد . التدوينة التي نبهني اليها احد الاصدقاء اعلنت فيها الكاتبة و المناضلة بنبرة انتصار و غمز ان الضيفين قد حققا نجاحا و مرورا طيبا برغم (يا ويلي من هذه الرغم ) تحامل المحلل السياسي بما يفهم منه ان استاذتنا في الكفاح الحقوقي اعتبرت اسئلتي و حرصي على التدقيق موقفا من المبادرة مما يدل انها لم تعرف اسلوبي في مناقشة كل الضيوف من كل الاطياف ممن حضروا في البرنامج تماما مثلما انها لم تتكرم بذكر حتى اسمي الذي كثيرا ما نادتني به مثل ام او استاذة منذ عرفتها تلميذا لها و لامثالها من شرفاء في صفوف معارضة الاستبداد .
كان الواجب المعرفي و السياسي يومها لو كنت مكانها ان استثمر التدوينة لترقيع الثغرات التي خلفها حضور ضيفين استغربت وقتها ان ترسل المبادرة مثلهما للنطق باسمها عوض ارسال اسماء كبيرة و محترمة و معروفة في الساحة منذ عقود كان يمكن ان تخرج من " فخاخ " اسئلتي بكل سهولة فهي ليست بالاسئلة الصعبة على اصدقاء رأيت اسماءهم في قائمة المبادرين رغم استغرابي من وجودهم جنبا الى جنب مع اخرين …
منذ ذلك اليوم في محاورة الضيفين و تدوينة استاذتي توقعت للتجربة نهاية حتمية و كان يجب ان تأتي الانتخابات التشريعية حتى نعلم علنا النهاية السرية لمبادرة تولد كغيرها دون " نص ولادة " و تنتهي بصمت دون " نص استخلاص " .
هذا يحيلني على الامر الموضوعي الثاني الذي اريد استخلاصه وهو ان التجارب السياسية ولادة و فشلا او نجاحا و تغيرا او تبدلا ليست تجارب فردية نحتفظ بحلقاتها و تطوراتها و حكاياتها لأنفسنا بل هي تجارب فكرية ملك للناس و التاريخ ...لا أذكر شخصيا اني مررت بتجربة سياسية دون ان اكتب في بدايتها نصا فكريا افسر اسباب خوضي لها و لم اذكر اني غادرت مرحلة سياسية من اجل تجربة اخرى دون نص نظري في شكل مقال علني استخلص فيه خلاصات فكرية و استشرف اخرى ...التجارب السياسية مشاريع فكر يتحول و يتقدم و يتراجع مثل سيرة علمية او وجودية يجب ان تكون معروضة للناس ليستفيد منها الباحثون و يسجلها مؤرخو الافكار و يفهم ابعادها المتلقون و الاتباع نصوصا و اسهامات فكرية قوامها التواضع و النقد و النقد الذاتي …
كم استطيع ان اذكر في قائمة الاصدقاء الذين يفاجئوننا بالشقلبة السياسية دون ان نقرأ لهم نصوصا لنفهم او على الاقل لنستوعب لماذا عاندونا و لعنونا حين قلنا لهم ما نجدهم بعد اشهر يقولون نفس ما قلناه …