عبير موسي بربوزة التجمع و مخبرة الصفوف العاشرة التي ارتقت الى الصف الاول بعد اكتمال سيطرة حفتريش الطرابلسية على الحزب الدستوري و تم انهاء كل حياة سياسية داخله بالاقصاء المتدرج لأهم كباره منذ " مؤتمر الانقاذ " الذي عقده بن علي فور افتكاكه الحكم .
الحزب الاشتراكي الدستوري حرمه بورقيبة من التطور الطبيعي و الحتمي باجهاض النزوع الديمقراطي فيه في مؤتمر المنستير عام 71 ثم طرد المستيري و مجموعته .
و رغم الازمات التي مر بها كغيره من الاحزاب العربية الحاكمة في حقبة حكم الحزب الواحد فانه بقي بين السبعينات و الثمانينات حزبا سياسيا بقطع النظر عن ضعف الديمقراطية داخله و في ممارسته للحكم و لكنه سيتحول مع بن علي الى مجرد " تجمع " للقوادة و فاقدي الشخصية و الخاضعين الى ليلى الطرابلسي و اشقائها البلطجية من انصاف المتعلمين و لم تكن الاسماء الكبيرة ذات التاريخ البورقيبي التي ظلت داخله إلا مجرد ديكور تافه لشخصيات كانت محرومة من الصفوف الاولى في فترة بورقيبة و كبار الدساترة و وجدت في طاعة حاكمة قرطاج الجاهلة فرصة لحياة امنة و نهاية عمر سياسي قرب مركز المال و الجاه. اما الشخصيات التي تحترم نفسها من قدماء البورقيبيين من الفاعلين الحقيقيين فقد ركنوا الى الصمت اضطرارا تحت التهديد او زهدا و رفضا للعمل مع الحفتريش و حكم المافيا الجاهلة .
اعتمد بن علي في الفترة الاولى من الاجهاز على السياسة في الحزب الحاكم على خبرة سقط المتاع الملفوظ من الاوساط اليسارية و استفاد من مهاراتهم في التحيل التنظيمي و خبرة تكسير الخصوم و صناعة الخطابات المخاتلة قبل ان يستغني على خدماتهم حين جهز الخريجون الشبان الجدد من كوادر تجمعية تجمع بين الحقد الفاشي و شجاعة الميليشيات و مهارة الولاء الرخيص و في هذا السياق ارتقت الحقيرة عبير موسي لتكون احدى قوادات حزب / جهاز في مواجهة المعارضة او حتى في مواجهة رفاقها داخل التجمع نفسه .
نوعية عبير موسي ظاهرة معروفة في الاحزاب العربية الحاكمة و عادة ما يكون لهذه الشخصيات علاقات خفية مشبوهة تمنحها " قوة " مشكوكا في مصدرها و لعله من الغريب ان تجرؤ محامية شابة مكروهة في قطاع المحاماة و قيادية في حزب نظام يسقط و شارع منتفض على ان تكون يوم قرار حل التجمع بتلك الشجاعة في محكمة قريبة من ساحة قصبة ملتهبة .فمن اين كانت تستمد عبير موسي " شجاعتها " تلك في الوقت الذي اختفت فيه كل القيادات التجمعية ؟ الا يتعلق الامر " بشخصية " تتجاوز في " حجمها " مجرد قوادة سياسية محلية لحزب حاكم يسقط حكمه ؟ …
بعد غياب قصير و تحولات مهمة في الوسط الدستوري و التجمعي و اتجاه اغلب القيادات الفاعلة الى استرجاع البعد السياسي لنشاطهم عبر الميل للتسويات و التوافقات و العمل تحت سقف دستور الثورة ..تظهر مرة اخرى هذه السياسية الصغيرة لتصبح نجمة المنابر الاعلامية بخطاب يواجه الجميع : الثورة و الدستور و الديمقراطية و الدساترة و التجمعيين و اليسار و الليبيراليين عبر مركزة خطابها في مواجهتهم على خيانتهم للمعركة الرئيسية و الازلية للنظام الرسمي العربي المتهاوي : المعركة مع الخوانجية .....و بخطاب حدي و مصمم و لا يرف له جفن و باستعادة فجة لمظاهر احتفالية في الاجتماعات مثيرة لمشاعر الناس … الطبل و الزكرة و البندير ...بل و باداء " استشهادي " مثير للغرابة و لا يمكن ابدا ان يكون من صفات قوادة سابقة في حزب حاكم ساقط ليس فيه اي مظهر من مظاهر الاعتزاز و الاستشهاد من اجل تاريخه كمنظومة فساد و استبداد .
ما قاله اليوم احد القيادات المستقيلة لحزب عبير موسي في جهة القصرين سيكون له تداعيات مهمة لتفكيك هذه الظاهرة الزائلة حتما ....