خسرت تونس منذ سنتين صفتها كبلد في طريق الانتقال الديمقراطي لتفقد بذلك رأسمالا رمزيا منحها -رغم صعوبات العشرية الماضية واخفاقاتها- امتياز مرافقة دولية كانت الملجأ في كل ازمة مالية واقتصادية .
كان الانقلاب على مسار الانتقال بطبيعة الحال مصيرا محتوما للبلاد بعد كثير من الأخطاء التي ارتكبتها الطبقة السياسية الجديدة التي منحتها الثورة والصندوق مكسب المشاركة في الحكم والمعارضة ولكن الانقلاب كان أيضا امرا مدبرا اشتغلت عليه أجنحة القديم المتضرر من الثورة والانتقال الديمقراطي وقد كانت الأذرع الاعلامية والسياسية الوظيفية الداخلية والخارجية خير سند لهذا الأمل الانقلابي الذي كان ملازما لكل سنوات الانتقال ومنعرجاته الخطيرة ولاشك ان الأجواء الشعبوية كانت جاهزة صيف 2021 ليغلق نهائيا قوس انتقال اهلكه عرابوه وفاعلوه قبل ان يهلكه خصومه .
تعود تونس الان بامتياز الى نادي التسلطية الشرقية والحكم الفردي الممركز وسلطة الاجهزة العارية للدولة العربية الاستبدادية بمباركة ضمنية من غرب مأزوم يستعيد نزوعاته الكولونيالية وضمان الاستقرار ولا شيء غير الاستقرار في مجالات نفوذه التقليدي ومصالحه المباشرة الممتدة من غرب اسيا الى شمال القارة السمراء واعماقها الجنوبية في مواجهة الدب الروسي والمارد الصيني .
عودة التسلطية الى تونس - بلبوس شعبوي واسناد وظيفي لليسراويات الشمولية تحت عناوين السيادوية الزائفة وبدعاوى التصدي للإسلام السياسي وفوضى الديمقراطية- هي السردية التحيلية التي يعود بها القديم الداخلي والدولي للهيمنة هذه المرة باسم الشعوب التي لا تريد الديمقراطية ( هكذا يقول الغرب المساند لعودة التسلطية : ماذا نفعل ؟ شعوبكم لا تريد الديمقراطية ) .
مما لا شك فيه ان مبررات استمرار التسلطية الجديدة هي اليوم اكثر رجحانا من العودة الى الاستئناف الديمقراطي ولا شك ان الوهن الذي تعانيه الحركة الديمقراطية واستعداد الوظيفيين الدائم لإجهاض كل طموح ديمقراطي فضلا عن العزوف الشعبي عن الشأن العام بعد كي الوعي الذي اشتغل عليه الاعلام التونسي بجهد خارق ؛ كلها عوامل تؤكد ان عمر التسلطية لن يكون قصيرا …
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا على النخبة التونسية وعلى ما تبقى من عقل الدولة : اي مصير اجتماعي واقتصادي ينتظر البلاد تحت حكم تسلطية تم تجريبها لعقود سابقة ؟ وما مدى قدرة التسلطية وهي قديمة على مجاراة الاستحقاقات الجديدة لأجيال وطلبات جديدة ؟