الجامعة العربية وقيامها (بعد نشأتها بسنوات و اثر موحة الاستقلالات العربية) على مبدا الامن القومي العربي و الدفاع العربي المشترك لم تشهد ازدهار دورها الا في العشرية الناصرية باعتباره المشروع العربي القائد حتى اواخر الستينات مستفيدا في قوته من المد القومي العربي و انتعاش حركة التحرر العربي و العالمي.
المؤامرة على المشروع المؤسس لهذه المنظمة بدأ في حياة الزعيم عبد الناصر و كانت منظمة " المؤتمر الاسلامي " نفسها و التي نشأت بتدبير سعودي و تنسيق ايران الشاهنشاهية محاولة لصناعة انتظام اقليمي تابع استعماريا في مواجهة النزوع التحرري العربي و لكن عبد الناصر و الموجة التحررية استفادت كثيرا من صراع القطبين و من تيار عدم الانحياز للجم العمالة العربية و اجبارها على الالتزام بالقضية المركزية للامة و الصراع مع الصهيونية و في ادنى الاحوال رفض التطبيع مع الكيان ما لم ينصع الى قرارات " الشرعية الدولية " على الاقل .
بعد رحيل الزعيم عبد الناصر و تراجع المد التحرري حاولت بعض النظم " القومية " الحفاظ على هذا الادنى العربي المشترك و كان نقل الجامعة من القاهرة الى تونس موقفا عربيا موحدا من كامب ديفيد و لكن بعد قمة فاس و مشروع فهد ثم خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت وصولا الى حرب الخليج في التسعينات توسع التصدع العربي و بذهاب منظمة التحرير الى " مفاوضات السلام " و اتفاق اوسلو فقدت جامعة الانظمة العربية نهائيا كل مبادئ تأسيسها لتصبح منذ الالفينات و ظهور " المبادرة العربية " مجرد جهاز لتفصي الانظمة من مسؤولياتها تجاه القضية و الدفع نحو "السلام المذل " .
التحولات العاصفة بعد 11 سبتمبر و حرب تموز و حروب غزة و الانقسام الفلسطيني وصولا الى عواصف " الربيع العربي " اصبح معسكر التطبيع العربي هو الصوت الغالب في المنطقة و بالوضع السوري و اليمني و الليبي و تعثر التعافي العراقي اصبح الابتزاز الدولي المتصهين للدول العربية اكثر جرأة لتمرير خيارات التطبيع خصوصا في ظل اوضاع اجتماعية و اقتصادية تعيشها الشعوب العربية المهمومة بشؤونها القطرية فضلا عن الانقسام الرهيب بين النخب و التيارات الوطنية الكبرى من يسار و اسلاميين و عروبيين و ليبيرالية وطنية حيث لم يعد الانقسام بين التيارات نفسها فقط بل اصبح داخل التيارات نفسها و في هذا السياق يبرز الانقسام الدراماتيكي بين ما يسمى " الاسلام السياسي " الذي اصبح مشغولا بإنقاذ نفسه و التمكين لها داخل التوزيع الجديد للنفوذ قطريا و قوميا في المنطقة و " الاسلام المقاوم " الذي مازال يستحضر مركزية القضية القومية و قد اتخذ هذا الصراع بعدا مذهبيا و طائفيا خطيرا زاده حدة حضور دولتين غير عربيتين في المنطقة تتداخل مصالحهما و تختلف طريقتهما في التعامل مع الكيان و نقصد تركيا و ايران .غياب " الاقليم القاعدة " بلغة الراحل نديم جعل المشروع العربي اليوم بلا عنوان و تصدرت ممالك و امارات الخليح تقرير المصير العربي عبر خياري التطبيع من جهة و مواجهة نزوع الحرية و الديمقراطية من ناحية اخرى .
اجتماع الجامعة العربية الاخير ليس بالدقة التي يتداولها المفسبكون التوانسة في سياق صراع " القيسيين " و " الثوريين " فالأمر اكثر تعقيدا مما يوصف به ما جرى .لكن امرا لابد اليوم من اخذه بعين الاعتبار :التصدي لقطار التطبيع و الهوان العربي سيحتاج من كل القوى و التيارات العربية بمختلف توجهاتها ان تعطينا رؤية متكاملة لمشروعها قطريا و قوميا و عالميا وهو ما لا يتوفر اليوم في مجرد ما نراه من مناكفات بالشعارات.
اذا اردنا فعلا بناء رؤية تحرر وطني شاملة يتنزل ضمنها موقف صارم من "مسارات التطبيع" القادمة لا محالة و تأخذ بعين الاعتبار وضعية تونس الصغيرة علينا ان نتساءل و نجيب على سؤالين:
لماذا يتغير خطاب الفاعل السياسي عندنا في المسائل الدولية وقضية الصراع العربي الصهيوني بمجرد خروجه من المعارضة ودخوله السلطة (النداء والباجي رحمه الله في المسالة السورية.. الترويكا في مسالة التطبيع.. قيس سعيد في مجمل العلاقات الدولية والمسالة الفلسطينية)؟
ما الذي جعل نظما معروفة بانحيازها القومي الى القضية الفلسطينية تتحدث باحتشام ان لم تصمت تماما بعد قفزة التطبيع الاماراتي (سوريا.. العراق.. الجزائر)؟
ليس في السؤالين لا ادانة و لا تبرير بل فيهما اشارة الى غياب رؤية او سردية عربية متكاملة تفكر في ادوات القوة التي يجب ان تكتسبها الدول الوطنية( و انا اصنف تونس ضمنها و هي كل الدول في مقابل النظم الخليجية) ..اقول اشارة للتفكير في ادوات القوة المطلوبة لمطابقة الطموح المبدئي في استقلال و وطنية القرار و نصرة القضية و مقاومة الصهيونية مع الامكانيات المحدودة التي تتحول الى اكراهات تحاصر استقلالية القرار الوطني .....هيا نفكر ....مهما كان من سيحكم سيكون موقفه شبيها بما نراه ...ما لم نجب على السؤالين عمليا …