" الجبيح " ركبتها هكذا بشكل اعتباطي للجمع بين صفتين للزمن التونسي " الجميل " و " القبيح " في نفس الوقت .انه زمن سياسي بقدر ما تصدمنا فيه مظاهر قبح و فراغ و ثرثرة وفوضى و مظاهر اختراق و رداءة طيف واسع من النخب و مساوئ ديمقراطية شكلية و حياة سياسية تحكمها غرف و لوبيات في الداخل و الخارج فنتشاءم بقدر ما نتفاءل في المقابل بمنسوب الحرية و انكماش الاستبداد و تحول " الرأي العام " الى قوة ضغط حقيقية يحسب لها السياسيون حكما و معارضة كل حساب .فنكون بذلك في وضع " تشاؤل " يناسب زمننا السياسي " الجبيح " .
من المفاجآت السارة التي تسعدني و تشعرني بالفخر بثورة 14/17 ان يكون نقاشنا اليومي مع اصدقائنا الفاعلين السياسيين من اطراف قوية و ماسكة بأدوات القوة المفترضة من مال سياسي و اعلام و علاقات دولية و مراكز نفوذ تماما مثل نقاشنا مع اصدقائنا الفاعلين من الاطراف المسماة ضعيفة فننتهي الى الاستخلاص نفسه من الفريقين : كلاهما ينتظر رأي الصندوق و تصويت الناخبين و كلاهما لا يؤكد نتيجة معينة و لا ينفيها و كلاهما يسألك رأيك معترفا ان وجوده في قلب الفعل لا يعني انه اعلم منك بما سيكون فكلنا ننتظر رأي " الشعب " في الصندوق ..
هذا الاستخلاص في حد ذاته ( انتظار رأي الناخبين ) و مهما كانت دقة هذا الاستخلاص او نسبيته يؤكد اهمية ما حدث . ان يكون فاعل سياسي في الحكم يملك كل مقومات " تشكيل " الرأي و العقول و الوعي من مال وعلاقات و مقدرات دولة و علاقات دولية و مع ذلك يداخله الشك و ينتظر رأي الناس في الصندوق دون ان يكون متأكدا بقدرة وسائله على تشكيل النتيجة و منتظرا ان يعرف كيف يفكر الناس و يسعى باستمرار الى تجنب غضب الرأي العام فيسارع بتوضيح موقفه و تعديل رأيه كلما " هرسله " عدم الرضى الشعبي عليه فهذا دليل اننا دخلنا بشكل ما زمن الشعب و خرجنا من زمن الاستبداد العاري .
هل ان وعي الشعب في حجم انتظارات النخب الطموحة و الحالمة ؟ هل ان رأيه يصيب الاختيار او يجانب الصواب ؟ هل ان اهتماماته و نقاشاته و ضغطه يتوجه الى مشاكل حقيقية او مزيفة ؟ هل تحصن فعلا من تأثير وسائل تزييف الوعي و شراء الذمم و الوقوع في الزبائنية ؟ …هذه اسئلة اخرى و ما على النخب و المعارضات الضعيفة التي تجيب بالسلب على هذه الاسئلة إلا ان تنزل الى الميدان و تنافس على الفوز بعقل و عاطفة و راي الناس و دفعها الى الصندوق …لاننا بشيء من الواقعية و دون تشاؤم عبثي دافع الى العدمية نستطيع فعلا ان نقر و نعترف بأن الشعب اصبح " يختار " و ان " اختياراته " حاسمة و هي مصدر القرار و لا احد بمن فيهم الاقوياء من الفاعلين السياسيين واثق الى من سيذهب صوت الشعب في الصندوق ..
لذلك قلنا انه زمن وطني " جبيح " …جمال الحرية و ارتفاع اصر و اغلال قديمة فجة و عارية و استبدادية حمقاء على ارادة الناس و قبح استغلال القبيحين لهذه الحرية لتعويضها بأغلال اخرى توضع على عقول الناس لتكون ناعمة بإعلام و مال يصنعان وعيا زائفا ليختار الشعب زيفهم بحرية …لكن يمكن في اجواء الحرية ان تسقط في " جبيح " حروف الباء و الحاء لنعوضها بالميم و اللام …نعم نستطيع …