لم يخطئ رئيس الحكومة المكلف حين سيج منذ البداية الهوية السياسية لحكومته. هذا من طبيعة الامور. لا يتعلق الامر بإقصاء او وصاية " طهورية " في تحديد الثوري من غير الثوري او في الحلول محل القضاء لتحديد نسبة الفساد في الدم السياسي لهذا الحزب او ذاك. كان الامر اجتهادا معقولا في ضرورة اعطاء طعم ورائحة لحكومته ومحاولة لعنونة لحظة سياسية تكون سبيلا للتعبئة من اجل الانجاز. تعلق الامر اذن بخطة سياسية.
ان يختار عنوان " الاحزاب التي انتخبت الرئيس " هو اسلوب او افتراض (مسلمة )على طريقة اهل الرياضيات .تشاور مع كل الاحزاب و اذن مع كل العائلات السياسية في البلاد ( يسار ..قوميين ..اسلاميين ..دساترة ..الخ ) . استثنى الدستوري الحر الذي تضعه رئيسته باستمرار كحزب معارض لمنظومة الثورة والانتقال الديمقراطي ودستور 2014 وحزب قلب تونس الذي كان رئيسه منافسا للرئيس الحالي ومثل في المشهد السياسي " الخصم " المشترك الذي " تزعم " كل الاحزاب نظريا انها تختلف عنه وتتحفظ من " الشبهات" التي تحوم حوله ولا يوجد حزب واحد لم يصرح أحد قيادييه او بعضهم حوله في الايام الفانية بمثل هذا القول.
الى حدود اليومين التاليين من اول ندوة لإلياس الفخفاخ أعلن فيها هذا التسييج لم يثر الامر لغطا او احتجاجا. حضر الجميع اللقاءات مع المكلف و لم تثر مسألة " الاستثناء " مشكلة لكن الواضح ان الجميع كانوا يتمتمون على طرف اللسان بعبارة " دبر راسك يا الياس ...امورك .." . كان واضحا ان الجميع يريد ان يكون في " الحزام " لكن لا أحد يريد ان " يتحزم" مع المكلف …
امتعاض النهضة كان خفيا والاكيد انها في الايام الاولى كانت ستبحث لصديقها اللدود " قلب تونس " صرفة في التعاطي مع حسم المكلف في الحزام و لذلك لم يظهر في الايام الاولى غير فريق " اصدقاء القروي في النهضة " للاحتجاج و ظل " الشيخ " يكرر مقولة " الوحدة الوطنية " دون ذكر المقصود.
يجب اذن ان ننتظر بعض الوقت حتى ينطلق بعض احزاب " الحزام " في اعلان خطاب " نهاية عهد النهضة " والاستعداد لعصر " بدونها " حتى تتحرك " الدفاعات المضادة " في مشهد سياسي تحكمه الهشاشة النفسية لكل لاعبيه واهتزاز الثقة مقابل مهارة " المخططين الكبار " في اشعال المحفل وابتداع العوائق وجعل جميع المتناقضين مجرد ادوات وظيفية حمقاء يصب تناقضها في نفس حساب المخطط الاكبر كي يتواصل الدوران في الحلقة المفرغة.
كان بالإمكان ان يقتنع قلب تونس و نوابه بدور ايجابي فعال في معارضة بناءة و تقتنع النهضة بلحظة تاريخية جديدة تحتاج بعض الفرز من اجل المسارعة في الانجاز و ان تتشكل حكومة مصلحة وطنية واسعة قدر الامكان و لكن غباء المكلفين بمهام و هم لا يشعرون يضعنا مرة اخرى في المأزق ليكون الخروج منه مرة اخرى بريش كثير نتركه في ارض المعارك الوهمية ….و سيكون حل .