تقدير موقف / ما بعد المشاعر والأمنيات
لم يعد أمام تونس في الاشهر القليلة القادمة على الحساب العسير الا امضاء التزاماتها مع صندوق النقد الدولي من أعلى هرم السلطة الحاكمة بعيدا عن مخاتلات الخطاب الشعبوي.
الوضعية المالية واستحقاقات الانفاق واقتناء المواد الاساسية لقوت الشعب ودوائه وحلول اجال خلاص القروض ستفرض القبول بتطبيق الاجراءات الموجعة واعلان ذلك دون الاكتفاء بالتطبيق الحالي لهذه الاجراءات بطرق ملتوية من وراء ظهر الشعب التونسي :
رفع الدعم واصلاح المؤسسات العمومية ( اعادة هيكلتها) وتقليص كتلة الاجور وفي كلمة واحدة تحرير الاقتصاد ولبرلته وانهاء ازمنة " الدولة الراعية" والكف عن الشعبوية السياسية والمماطلة التي اعتمدتها الطبقة السياسية المتداولة على الحكم على امتداد العشرية الماضية قبل ان يتم احالتها على التقاعد اثر انقلاب 25 جويلية واستلام اجهزة الدولة العارية للحكم متخفية سياسيا تحت ما سمي بمسار البناء القاعدي وبقايا اجنحة المنظومة النوفمبرية وبدعم من الكسور الوظيفية لليسراوية الماركسية والقومية .
بالاضافة الى امضاء البرنامج مع الصندوق وكنتيجة له سوف تبدا تونس بالخيار او بالاضطرار تطبيق حزمة الاتفاق او الشراكة الجديدة مع الاتحاد الاوروبي لتحسم نهائيا تموقعها التقليدي في المعسكر الغربي كحليف مميز يتم من خلاله تحصين الظهر الجنوبي للمتوسط وحمايته من موجات الهجرة الافريقية لتكون بلادنا منصة الاقامة والحركة المريحة للمهاجرين مقابل جملة من الامتيازات الممنوحة في سياق ترتيب الغرب الاطلسي والاوروبي لانتشاره الجديد في مواجهة المارد الصيني والمتمرد الروسي .
لن يكون الوضع التونسي أكثر ملاءمة لتطبيق هذين الاتفاقين اكثر مما هو حاليا .اذ يبدو الوضع السياسي الوطني حكما ومعارضة بعد عملية الجراحة التي تمت في 25 جويلية 2021 في أضعف حالاته كما يكشف الوضع الشعبي عن حالة من التقبل والاستعداد النفسي والقيمي بعد الشغل الاعلامي المميز في صناعة مزاجه على امتداد عشرية رائدة في مهارات كي الوعي التي ابدع فيها اعلام النقابة والهايكا :
الحكم العاري من كل شرعية الا قوة الدولة العارية سيكون مستعدا لكل المقايضات ليستمر ويطبق .
المعارضة المنقسمة والسجينة والتي تئن تحت سمعتها المضروبة - بعد عشرية فشلها وتخلي " الراعي الدولي للانتقال عنها مؤقتا حتى ينجز بغيرها ما عجزت عن انجازه "- لن تقدر على أكثر من انتاج خطاب الاحتجاج الذي لن تأخذه القوى الدولية المتنفذة بعين الاعتبار الا كأداة لتحسين شروط التفاوض مع الدولة المنهكة .
الشعب التونسي مشغول بنقمته الدفينة على السياسة والسياسيين والناس اجمعين ومرتاح الى معاناته التي تسببت فيها " الديمقراطية " و " الثورة " و" النهضة " اساسا كما اكد له ذلك اعلام النقابة والهايكا .
هذه هي المحصلة العامة التي ستحكم مجريات الاحداث في تونس على امتداد الاشهر القادمة ...لكن هذه المجريات نفسها والمحكومة بتحرير الاقتصاد من الدولة الزبائنية ولوبياتها وتحرير العقول وتجريف الساحة من بقايا النخب والطبقة السياسية والاعلامية الفاشلة فضلا عن تعميق اوجاع الناس دون ماكياج الرشوة التقليدية لدولة الرعاية الكاذبة ..هذه المجريات هي نفسها التي ستبني بعد سنوات عودة الديمقراطية الحقيقية والقوية مع جيل سياسي جديد بعيدا عن رداءات الشعبويين والوظيفيين والفاشست …
هو القدر وقضاء التاريخ الذي لن يتقدم الا من جوانبه الاكثر ايغالا في الرعب …