الفاعلون الكبار في المشهد التونسي يعيشون بين اكراهين واحد داخلي يتعلق بتوازناتهم الداخلية و واحد خارجي يتعلق بقواعد الصراع في الساحة الوطنية .و هو ما يقتضي التمييز بين التكتيكي و الاستراتيجي في تحليل الخطابات السياسية و التصريحات حتى لا يختلط الامر على المتابعين .
الاستثمار في الاوضاع الداخلية و تفاعلاتها الهيكلية سوف يعتمده الفاعلون من الدرجة الثانية و هو امر مشروع في الصراع السياسي و لعبة التوازنات شرط ان لا يتم اغفال السقف المحدد لهذه الصراعات الداخلية للفاعلين الكبار بما هي صراعات ترتيب داخلي لا صراعات تغيير قواعد الاستقرار تونسيا كما تحتمه المقتضيات المحلية و الاقليمية و الدولية .
المنظمة الاكبر الاتحاد العام التونسي للشغل ستكون مشغولة على امتداد هذا الشهر بمعركة التمديد و معارضته .هذه المعركة ستنتج تناقضات افقية بالضرورة و ستمس هذه التناقضات العائلات السياسية / النقابية من داخلها .في كل تيار سياسي / نقابي هناك قيادات تتموقع سيخدمها التمديد و في التيار السياسي النقابي نفسه سيكون هناك قيادات تطمح للتموقع النقابي ستصارع داخل تيارها لتدفع نحو رفض التمديد .
معركة التمديد سوف تدفع بالضرورة الى تغيير التحالفات تكتيكيا و سوف نكون امام تصريحات نقابيين / سياسيين تتغير بشكل يومي بحسب بورصة التموقعات و التشبيكات اليومية . التصريحات النقابية السياسية في علاقة بالحكومة و حزامها البرلماني و النهضة يجب ان تقرأ باستمرار بالتفصيل لا بالجملة و لن بكون مجديا في الفهم استمرار اعتماد التموقع التقليدي للاتحاد في المشهد السياسي كما نراه منذ اشهر لأن هذا التموقع لن يكون على امتداد هذا الشهر تموقعا للمنظمة، بل تموقعا يقرأ بتموقع القيادي او تياره النقابي / السياسي في المعركة .
لقد كان بيان الهيئة الادارية البارحة أعسر تمرين نقابي في صياغة بيان واحد يرضي جميع سكان " الخيمة " في وضع اسم " العدو المفضل لهم " في بيان ختامي وهو ما جعل المنظمة في الساعات القليلة الماضية خصما للجميع دون ان تكون قراراتها في خصومة مع احد و هذه من عبقريات العقل النقابي في وضعيات التداخل و التعقيد و تشابك المصالح بين التكتيكي و الاستراتيجي .
النهضة المشغولة بتحمل تبعات " حكم " لا تملكه تعيش بدورها على وقع مؤتمر حاسم يصعب ان يتجاوز تاريخه اخر السنة لإنجاز اعسر انتقال قيادي في عمر الحركة .و في مواجهة قواعد غاضبة على ترهل القيمة الاخلاقية لحزب لم يكن " ثوريا " بالقدر الذي يرضيها و لكنها في نفس الوقت متحفزة " راضية مرضية " على " اب شيخ " شغفهم حبا بقدرته على توفير قدر من الاطمئنان " لفتية يتخطفهم الناس " فيخوض بهم بحر " تكتيكات " تزعج " قلوبهم المتوجسة " و تريح " عقولهم " التي لم تجد برد امان تفكر فيه بهدوء .
و بين شقوق هذا التمزق بين قلوب القواعد و عقولها يصوغ "خلفاء الشيخ المفترضون " بتياراتهم المتناقضة خطاباتهم "الانتخابية " لنيل ثقة " المؤتمرين المفترضين " من جهة و ارضاء المتابعين و الشركاء الداخليين و الخارجيين لتقديم انفسهم بدائل ممكنة لقائد يعلن استعداده للمغادرة من كرسي القيادة الفعلية و لكنه معني بإقرار " خلفاء " يضمنون استمرار سياسة " مهارة السير " بالجسم الاضخم في البلاد على حد سكين المراوحة بين التصالح مع الدولة و محيطها و " الثورة و اشواقها " اذ بدون هذه الخلطة العجيبة لا يبدو ان للجماعة / الحزب / الحركة مستقبل على " شفا " المقعد بين الدولة و المجتمع و الاقليم و العالم الصاخب تغييرا و تحولات .
في مكان ثالث و بين قلب الدولة العميقة و اشلاء حزبها التاريخي يشتغل المرشحون على نيل " براءة تمثيل و اختراع " "حزب الدولة" في نسخته الثالثة بعد نسختي التجمع قبل الثورة و النداء بعد اكتوبر 2011 .مرشحو الفوز بالباتيندة المفترضة يستحضرون بكل مرارة تشظي 2019 و نتيجته الكارثية في الصندوق و يتحركون تحت ضغط اصعب اختبار بصعود اردأ مخرجاتهم الفاشية في هذه السنة السياسية العجيبة بتحالفاتها و تقاطعاتها و تنوع المقترحات و صراعاتها القيادية التي لا تكف عن عرض مفاتنها للفوز بقيادة الحزب الكبير القادم بطلبات الاسراع بتشكيله داخليا و خارجيا في ظل تطور صراعات غير مسبوقة بين الشظايا و الاشلاء و في ظل تباين وجهات الاختيار بين اللوبيات و القوى الراعية تونسيا و دوليا .
هذه العناصر الثلاثة هي المداخل الاساسية لفهم احداث الايام القادمة و احاديثها ...دون ذلك تضيع بوصلة التحليل امام مشهد ستتشابك فيه الشعاب الا لمن تحرى مطالعها من مصادرها ....