الدعوة الى الصراع الدائم و المواجهات المستمرة ليست شجاعة خصوصا في عهود الحرية بلا سقوف و الثرثرة بلا ضريبة ..
بالعكس تبدو خطابات التعفين و التوتير التي اصبحت تلبس اقنعة مختلفة مجرد حقد على الوطن و اهله و استدراكا لشجاعة لم يقدر عليها البعض وقت دفع الثمن حين كان للمعارك مع التسلط معناها …
حتى في سنوات التسلط لا معنى للسياسة النضالية بالعدمية الثوروية المريحة اذا لم تكن مرفوقة بالمقترح الاصلاحي الذي يحرج المتسلط و يصارعه في مربع الحقوق التي تقرها الشرائع الدولية و يدعوه الى ان يجنح الى سلم الديمقراطية عوض حروب المواجهة ..لذلك كانت الاصلاحية في الزمن الاستبدادي اكثر ارهاقا للمستبد من الثوروية الكذابية .
المشهد السياسي الديمقراطي الذي منحتنا اياه ثورة الحشود التي اربكت راس المنظومة فهرب و فتحت طريق الحرية هو مشهد قابل للنقد فقد يلوثه الفساد و التدخل الخارجي و الاغراق في شكلانية الصراع الفارغ بلا مشاريع .
لكن اختزال النقد في مجرد استعادة مملة و ممجوجة لنفس السردية النوفمبرية باختزال الشر كله في " الخوانجية " و النهضة النهضة النهضة النهضة صباحا مساء و يوم الاحد هو اختزال قابل للنقد. لا بل ليس طريقا مفروضا على الجميع اذا لم يسلكوه اطلقنا عليهم الاتهامات باسم طهروية كاذبة او حداثوية دعية او شعبوية مضللة و نتضايق بمجرد ان نسمع نقدا لهذا الطريق ( الي هو الحقيقة متاع ربي ) لا شجاعة فيه و لا موضوعية بقدر ماهو تعمية على المصاعب الحقيقية و الخصوم الفعليين حقا لانتقال عسير و متعثر ليس "الخوانجية " فيه و بعض اخطائهم كغيرهم من الاحزاب حديثة العهد بالحرية الا احد عوامل ازمته المركبة التي يمكن حلها بالحوار الوطني العميق شرط ان نبرأ من سردية باهتة لم تنفع في عهود النوفمبرية و لا نظنها مجدية في زمن الحرية و قد تحولت في زي شعبوي او وظيفي او فاشي قبيح .
الدعوة الى التوافقات الكبيرة على قاعدة العناوين المرحلية للمشروع الوطني و الشعبي و الديمقراطي و الدعوة الى التوقف عن المناكفات ليس عيبا، بل لعله هو الخدمة الحقيقية للوطن فليس في الامر مدعاة للخجل …
المخجل فعلا هو ان تقضي كامل حياتك غراب بين و مشعل حروب و داعية مواجهات و اقصاء و كذب على الناس و ادعاء عليهم مرة باسم الحقيقة و مرة باسم الثورية و اخرى باسم الحداثة و المدنية .. منتجا دائما للكذب و الاحقاد و مفسدا للتفاوض الوطني العام من اجل الفكرة و العقل النقدي الهادى