هي توتير زائد للاجواء و لا احد اصلا في حجمها..
مرة اخرى لم يوفق الصديق النائب هيكل المكي في تصريحه الناري في سياق ارتفاع وتيرة المناكفات الطبيعية التي تسبق كل ترتيب جديد للمشهد السياسي التونسي في مسار انتقاله العسير نحو الديمقراطية منذ عشر سنوات .
النائب و القيادي في حركة الشعب و بقطع النظر عن صحة او خطأ استشرافه " لثورة قادمة ...صماء و عمياء الخ " توعد خصومه " النهضاويين " بمصير دموي من " الثوار " يكون فيه المصير الدموي " لإخوان مصر " فسحة يتمناها " اخوان تونس " و لا ينالونها .و من الواضح ان هيكل المكي يقصد بذلك مجزرة رابعة و محارق الساحات التي اقترفها جيش الانقلاب و الامن المركزي و ميليشيات الحزب الوطني المنحل في حق المتظاهرين كما يقصد دون شك احكام الاعدام التي يصدرها على عجل قضاء النظام الانقلابي .
تصريحات المكي خطيرة بالمعنى السياسي للكلمة فهو نائب في كتلة برلمانية اختار مكوناها الحزبيان العمل في اطار دستور 2014 و تحت سقف الديمقراطية ( تسمية الكتلة ) و هو قيادي يعمل حزبه تحت سقف الصراع السلمي على السلطة و لا يمكن ابدا القبول ضمن هذه الرؤية بخطاب نائب في كتلة " ديمقراطية " يهدد خصومه السياسيين بالسحل و الاغتيالات و الاعدامات التي اقرت كل المنظمات الحقوقية في العالم انها انتهاكات خطيرة ترقى الى مستوى جرائم الدولة .
في الديمقراطية نهدد خصومنا بالصندوق و نتوعدهم بأصوات الناخبين و يمكن حتى ان نتوقع لهم مصير الملاحقة القانونية بالقضاء و لكننا لا نتمنى ان يكونوا ضحايا في محرقة " الثورات العمياء و الصماء " و التي هي التسمية المغلفة للحرب الاهلية و التي لا يتمناها السياسي السلمي لبلده و لو توهمنا ان شروطها متوفرة فيجب ان نعمل على ازالتها و التحذير منها لا ان نرغب في تحققها …
بالمعنى الاخلاقي و الذوقي تبدو تدوينة الصديق هيكل المكي امعانا في المشاركة في وضعية استغباء و استغفال معمم بدأته بقايا القديم الماسك باستمرار بمفاصل الدولة و رسخته الفاشية المعربدة و اصبحت تردده القوى الوظيفية و هو " تحليل " يريد الايهام انه " حقيقة ". و مفاده بناء سردية تحشر فيها النهضة و انصارها في مرحلة اولى ثم الثورة و انصارها في مرحلة ثانية و اخيرا الديمقراطية و المنتصرين اليها في زاوية تحميلهم مسؤولية مالات الوضع كله . (هذا اذا وافقنا على الصورة السوداوية التي يتم ترويجها عن الوضع و هذه الصورة غير دقيقة بالنظر الى المكاسب التي حققتها تونس و اقلها الحرية و اكثرها استفادة هيكل و غيره من انفتاح الساحة للجميع اكلا و نهشا بلا رقيب و لا حسيب) .
هذه السردية المكذوبة تنتهي غالبا بضراط ادعاء يهدد المذكورين اعلاه بثورة " الشعب " القادمة ضدهم و الانتقام منهم على اساس ان هيكل و عبير و المنجي الرحوي و الكتلة الديمقراطية و شعبويي المطر الاخير و رموز السوداوية المزعومة هم العارفون بضمير الشعب و الناطقون باسمه و المتوقعون لردة فعله بل هم من سيصعدهم لقيادته بعد ان ينجز ثورته التصحيحية في مواجهة " الفاسدين " الذين قرر الصلحاء هيكل و عبير و الرحوي و الكتلة الديمقراطية و قرطاج انهم فاسدون سيثور عليهم الشعب و يسحلهم و ينصب حوزة الانقياء هؤلاء بديلا .
هذه السردية تسمى ذوقيا و اخلاقيا قلة حياء سياسي يريد استغباءنا لأننا نعرف البئر و غطاءه و نملك عقولا و عيونا تفرز لنا المستفيدين الحقيقيين من " ثروة " " الثورة " و العاملين الفعليين عند سيستام الفساد و عند المسؤولين الحقيقيين عن شقاء الناس في الماضي و الحاضر. و اذا كان من ثورة قادمة فستكون هذه المرة بعيون مفتوحة و خطاب فصيح لتوجه فعلا السبابة في العيون الوقحة مباشرة .
اخيرا و بمعنى موازين القوى و الضعف تصريحات الصديق المكي امعان في احلام اليقظة ...هذه التهديدات من نوع ان ما شهدتموه في السابق هو فسحة مقارنة بالمصير الذي ينتظركم... هذه تهديدات يقولها " مقاوم قوي " لعدو مجرم و جبان ..بعبارة اخرى هذه لغة لا تناسب الا حجم ابي عبيدة او السيد و هما يشهران سبابتيهما في وجه العدو ...و مثلما لا اظن ان خصوم هيكل هم اعداء له فانا متاكد ان هيكل ابعد ما يكون بالنسبة و التناسب في مقابل النهضة و جمهورها و "عملاءها" او في مقابل الديمقراطية الحالية و انصارها عن ان يكون اباعبيدة او السيد ما يجعل تهديداته امرا مثيرا للتعجب ....بمعنى ان تهديداته تعلط فارغ .
يجب ان نكف عن هذه المناكفات و نذهب الى طاولة التسويات ...دعنا من الفذلكة الماصطة …