في العراق مقتدى الصدر يعلن انسحابه من الحياة السياسية .تياره السياسي يغلق صفحاته ويدعو الى عدم استعمالها للترويج لأي حراك ميداني أما انصاره المتروكون الان في الشوارع بلا غطاء سياسي فيواصلون تظاهرهم وتصعيدهم لحراكهم من اقتحام البرلمان الى محاصرة القصر الجمهوري …
هذه مخاطر المواقف السياسية المتسرعة ورفع سقوف انتظارات الانصار عبر الخطابات الشعبوية والتحريض دون خطة او رؤية ...رغم فساد المشهد السياسي العراقي طبعا .
تلك هي خصائص الأزمة في ساحة الفعل العربي مع انطلاق مرحلة ما بعد " الربيع العربي " بظهور هذا النوع الجديد من " الحراك الشعبي" القائم على تحشيد الجموع بدعوى مواجهة اشكال الصراع السياسي بأدواته التقليدية ( الانتظام الحزبي والتداول المؤسساتي عبر الصناديق ) دون منح الحشود اشكال الانتظام البديلة ودون تحصين المشهد من الانفلاتات " الغرائزية الغاضبة " لما يسميه هؤلاء القادة "بالشعب" …
ازمة الديمقراطية التقليدية في بلدانها الغربية وانفجار اشكال الاحتجاج مابعد الحداثية هذا امر معلوم، ولكن الديمقراطية الغربية تستثمر بذكاء في تطوير نفسها بهذا النوع الجديد من " الحراكات " بما تمتلكه من نخب وطبقة سياسية ومفكرين يحصنون مجتمعاتهم من نيران الشعبوية والفاشية التي يمكن ان تتغطى بهذه التحولات في اشكال الانتظام والاحتجاج .
في عالمنا العربي يبدو الامر وكأنه تدبير ممنهج باسم "الشباب" و " الشعب " و " الصعود الشاهق في التاريخ " لتجريف كل مقومات الحداثة السياسية للعودة نحو التسلط الاستبدادي .
عندما كنا ندعو الى الترفق بالانتقال الديمقراطي التونسي كان كثير من الوظيفيين المخترقين بلوثة الشعبوية يدفعون بالأمور الى اقصاها واصبحت المزايدة في استهداف الديمقراطية باسم محاربة النهضة ومقاومة فساد الطبقة السياسية هي اللعبة المفضلة التي اصبح قادة الرأي فيها عدد من التافهين والفارغين بدعوى الشبابية او تصحيح المسارات .
تزييف الوعي هو ان يجعلك المخططون تذبح نفسك وتسلم مستقبل وطنك للفاشيين الجدد وانت تظن انك بصدد انقاذه من الفاسدين واعداء الثورة .
الشأن العام ومصير الاوطان تقرره النخب الوطنية العالمة وليس تفاهة الفارغين وانصاف المتعلمين باسم " ارادة الشعوب " …