سيكون المستقبل التونسي للديمقراطية القوية قريبا لو دفعت اقدار التاريخ. رئيس الجمهورية الى تللقف الرسائل التي وجهتها له المنظمات و الاحزاب المساندة لانقلاب 25 جويلية بأن يشركها في استكمال اجراءات طي صفحة 2011 و دستور 2014 بالشجاعة و الحسم و التصميم. اللازم و المفيد للتاريخ ضمن قاعدة الضارة النافعة .
من يقرأ بعمق بين سطور بيانات الاحزاب و الجمعيات و تدوينات الشخصيات المساندة و منها حتى جزء قيادات سابقة من احزاب الترويكا بما فيها النهضة يجد ان مضمونها هو " عتاب " للرئيس - و هي على حق - في ان نسق تحركه لاستكمال الاجهاز على قوس 2011 كان بطيئا كما عبرت هذه البيانات و التدوينات عن مجرد خيبة امل لأن الاستهدافات للحقوق و الحريات شملت قوى و شخصيات من المفروض انها مساندة ل 25 جويلية و كان من المفروض ان تقتصر على خصوم 25 جويلية اي حركة النهضة و ائتلاف الكرامة و خصوم.
الانقلاب عموما و هذه فعلا ملاحظات ذكية كان بإمكان الرئيس ان يأخذها بعين الاعتبار لو اراد الاستقواء بذكاء حتى على طلبات القوى الدولية التي لا تمانع في تحقيق هذا الهدف لكن بلبوس ديمقراطي مائع .
ان تحول الرئيس قيس سعيد اي النظام / الدولة الى ظاهرة سياسية على قاعدة انقلاب واضح على 2011 و دستور 2014 بفضل القوة الصلبة للدولة ( الاجهزة ) و لكن بمشروعية شعبية مفترضة و حتى زائفة تعبر عنها مشاركة هذه الاحزاب و الشخصيات معه في تسويغ الانقلاب هو خدمة جيدة للديمقراطية.
ان ذلك يحقق اعادة البلاد الى نفس مربع النوفمبرية : نظام حاكم مع معارضة موالية ( هي تقريبا نفس المعارضة و المنظمات التي كانت موالية لبن علي مع اضافة جديدة و جيدة الان من اسلاميين مستقيلين و قيادات سابقة للترويكا و التيار و حركة الشعب) في مواجهة معارضة راديكالية هي الان متبلورة. في معارضة جذرية للانقلاب (وهي نفس قوى 18 اكتوبر و لكن غير موحدة ). بهذه العودة لنظام تسلطي شبه تعددي و مع هذا الهامش المكتسب للحرية سيكون هناك صراع سلمي حقيقي بين اقوياء و عندها اما ان ينتصر النظام /الانقلاب و تستقر البلاد او تنتصر الديمقراطية الحقيقية و تستقر ايضا البلاد بديمقراطية قوية لن يجرؤ احد الانقلاب عليها بعد ذلك .
ان اي مداورة او التفاف شكلاني بحلول هي بين الانقلاب و الشرعية كما تريد القوى الدولية سيؤبد ميوعة التجربة التونسية : ليس من حل عقلاني الا دفع الرئيس و حلفائه الى استكمال اجراءات القضاء على حدث 2011 بما في ذلك محاصرة تامة للنهضة و الكرامة و القوى الراديكالية المعارضة للانقلاب و هو ما سيدفع القوى الديمقراطية ل 18 اكتوبر التاريخية الى العمل على تأهيل نفسها عبر الاستفادة من زخم شبابي جديد سينشأ في حاضنة الراديكالية المبدئية الطامحة للحرية الكاملة و الاستقلال الناجز بقوة ديمقراطية شديدة و غير مهادنة و لا قابلة بالتسويات المغشوشة .
يجب الدفع الى استثمار الفرصة من اجل تونس شديدة و قوية بعيدا عن تسويات رخوة و لن يكون ذلك الا بتزيين الذهاب الى الاقصى في اجراءات 25 و تعميق الفرز الضروري بين القوى و الرؤى عبر تبخيس كل وسطية ملغومة و بائسة من الجهتين .