بيان الخارجية التونسية يذهب الى خيار التصعيد مع المغرب . فهو يحسم اولا توصيف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) بتسميتها في البيان " الجمهورية العربية الصحراوية " ما يعني خروجا تاما عن الحياد في هذه القضية .
البيان يتناقض اذ يذكر بالالتزام بمقررات الامم المتحدة وفي نفس الوقت التزام تونس بمقررات الاتحاد الافريقي والامران مختلفان كما هو معلوم كما يشبه حضور البوليساريو الى تونس بحضورها السابق الى دول افريقية اخرى لكن وزارة الخارجية التونسية تتجاهل هنا حقيقة الجغرافيا والتاريخ التي لا تتيح لتونس موقفا منحازا بين الشقيقين المغربي والجزائري لأن تونس ليست بلدا بعيدا في اعماق افريقيا بحيث تستطيع ان تتموقع بسهولة مع هذا الطرف او ذاك .
من الواضح ان هذا الموقف التونسي حدث فارق في اختيارات تونس الديبلوماسية منذ انقلاب 25 جويلية.
الخيارات الديبلوماسية التونسية لعبت بشكل فاقد تماما لكل عقلانية على خيوط متناقضة على امتداد سنة كاملة من الغرائب والسريالية .فقد مارست مناورات متقابلة مرت من علاقة مستفزة للجزائريين بالمحور الاماراتي والمصري الى تلويح بإمكانية تغيير جذري للوجهة الديبلوماسية التونسية الى روسيا والصين في سياق الرد على الموقف الامريكي من الانقلاب وصولا الى العودة الدائمة باستمرار الى الحضن الفرنسي.
الموقف من البوليساريو يقوم على قراءة سلطة حسمت امرها في الاعتماد على الجار الجزائري نهائيا بعد احتكام شبه عزلة دولية حولها ومع مؤشرات ازمة طاقة قادمة، ولكن هذا الموقف يبدو مغامرة غير محسوبة لم تقرأ حسابا لتفاصيل لا نتصور ان الجزائر نفسها قد طلبت من السلطات التونسية اغفالها .
هذا الموقف المتبني كليا للسردية " اليسارية " في قضية الصحراء الغربية الى درجة اعلان تسمية " الجمهورية العربية الصحراوية " في بيان رسمي يضع تونس في الحلف "السوفياتي " اصلا بفوات تاريخي عجيب لم تعد فيه القضية الصحراوية مغرية حتى للجزائريين انفسهم الذين يتعاملون معها كقضية " وظيفية " بحسابات متغيرة بحسب تطور علاقتهم بالروس و بحسب ما يريدونه في علاقتهم بالمغرب وبقدر ما يريدون توظيف القضية لتحسين شروط تموقعهم في المحور الاطلسي دون اخلال بعلاقاتهم التاريخية مع الروس .
هذا الاندفاع التونسي هو تقدير ومحاولة لاستعمال الذكاء في وضع دولي متغير ولكنه اندفاع ممتلئ اكثر من اللزوم وذكاء تنقصه الحكمة في الوعي بإمكانيات البلد المحدودة وارتباطاته الدولية التاريخية ….ونرجو السلامة على كل حال.