قراءة اولية في مشاهد متقابلة
اكثر المتشائمين والعارفين بالطبيعة الوحشية النازية والارهابية للكيان الغاصب لم يكن يتوقع هذه الجرأة والتحدي في اقتراف المجازر امام كاميرات العالم وعلى امتداد هذه الاشهر الخمسة وبمباركة وصمت من كل منظمات العالم ودول الغرب الاستعماري والنظم العميلة له .
اليوم يتم ايضا قصف شاحنة مساعدات وليلة البارحة كانت احزمة النار تطوق اهل غزة المحاصرين بالجوع والعطش والقصف والأوبئة والصابرين المصابرين يشدون عضد مقاومتهم البطلة والشريفة التي تسطر قصصا خيالية واسطورية في الاقتدار والتحكم .
بالاضافة الى اسناد الجبهات العربية المقاومة التي ساهمت وتساهم في احراج الغرب وشيطانه الاكبر خوفا على مصالحه في منطقتنا ، لابد ان نسجل أيضا مساندة الشعوب الحرة في عواصم الغرب نفسه وصولا الى دول اسيا الشرقية ووسطها ولابد ان نرفع القبعة لكثير من المفكرين والفنانين وطلبة الجامعات واساتذتها في بلاد العجم والفرنجة من بني الاصفر والابيض ممن يمثل ضغطهم احراجا حقيقيا لدولهم ومؤسساتهم المنتخبة، ما سيكون له دور في اجبار الوحش المنفلت على ايقاف عدوانه بعد ان اصبح عبئا على ميزانيات هذا الغرب الامبريالي وعلى وجهه الذي صرف المليارات لتزيينه لدى الشعوب المضطهدة .
في المقابل تعيش الشعوب العربية ونخبها من سياسيين ومثقفين وفنانين وطلبة جامعات وأدعياء فكر واكاديميا حالة من الموات الا قلة قليلة ممن اخلصت لمسؤولية الفكر وامانة الامة .
ساحة فكر بلا حراك ولا مواقف ولا حتى نصوص واعمال تحلل هذا الموات وتستشرف الحلول وتستنهض الهمم . نخب مشغولة ومشتغلة منذ عقود على استثارة الصراعات الجانبية وخوض حروبها المغلوطة او كتابة نصوصها المدرسية في شرح متون وهوامش الاخر وتكرار سرديات المركز الغربي مثل تلاميذ اغبياء ويريدوننا ان نحترمهم ونطلق عليهم صفة مفكرين وجامعيين ودكاترة ومثقفين .
اعلام تفاهة مثل مزابل ثرثرة يشتغل على تزييف الوعي وابتذال الاذواق، تسيره غرف تحرير وتدريب وتأهيل استعمارية وتشتغل فيه اذرع ساذجة محدودة التفكير تضع نفسها بوعي (او بدونه في كثير من الأحيان) على الذمة مثل سحرة فرعون يلقون بحبال الخداع لإلهاء شعوب أخرجها تعليم مدمر كأنصاف متعلمين مستعدين لاستهلاك الزيف في مجتمعات أخضعها الاستبداد ونخرها الفساد .
ساحة سياسية ملأها البدون سيرة والمخترقون وضيع لاعبوها الصغار فرصا عديدة لبناء تيارات وطنية وأجسام حزبية ومنظمات مدنية قوية تقود الشعوب في فترات المحن وتستنهض الارادة حين تقتضي المرحلة .
انه زمن الهوان العربي من جهة ولكنه من جهة اخرى زمن التأسيس والبناء على انتصارات المقاومة بثقافة الامة وعلى هبة شعوب العالم الحر بقيم الكونية الانسانية الحقيقية لا المزيفة فغرب الشعوب ليس غرب الاستعمار ..تلك هي المعادلة : مشروع الامة التحرري بقيم الخصوصية المنفتحة والكونية المتنوعة ...وهو مشروع لن يقدر على بنائه الا مثقفو الامة ومفكروها ونسبة المثقف والمفكر الى امته ليست بالانتماء الجغرافي بل بالانتماء الروحي والثقافي وتلك هي القضية ..