الذين زغردوا للحركة الغامضة التي اقدم عليها الرئيس دون احتراز يجب ان يخجلوا من انفسهم و ان نحذر منهم في اي شراكة سياسية قادمة . شخصياتنا الوطنية و قاماتنا العلمية في مجال القانون الدستوري و احزابنا الديمقراطية و هياكل المجتمع المدني و انصار الحقوق و الحريات ممن رفعوا الصوت عاليا منذ اللحظة الاولى تذكيرا بالدستور و المكاسب الديمقراطية رغم تفهم القلق الشعبي و تفهم خوف الدولة على نفسها من الانهيار ..هؤلاء فخر تونس الديمقراطية التي لن تعود الى الوراء ..
خيمة التونسيين منظمة حشاد العظيم التي احسنت الانصات الى ضيق شعبي من مشهد سياسي تشاركت كل اطرافه في ترذيله و التي تفهمت اجراءات " دولة " تريد انقاذ نفسها هي نفس المنظمة الشغيلة التي ادركت ايضا ان غموض ما جرى و ما عرف عن قيس سعيد من رغبة تسلط يقتضي الحزم في التذكير بان لا يصل الامر الى حد الانقلاب على المسار الديمقراطي و الشرعية الدستورية ..
يوم امس كان يوم تبين ما جرى و حركة المشهد الدولي استوعبت رغبة الدولة في تحصين استقرارها من احتقان قد يعصف بكل شيء و لكنها انصتت جيدا لمخاوف نخب تونس الجديدة و انصار تجربة عربية فريدة لو سقطت لكان ذلك ضد التاريخ و في مقابل عقله …
من هو بصدد تلمض لسانه فرحا بسقوط المسار الديمقراطي و قرب عودة الاستبداد شماتة في الخصوم و الثورة و الانتقال الديمقراطي يجب ان يشرب جرعة ماء فقد اخطأ تذوق طعم ماجرى و ما يتلمضه هو لسانه الذي ينزف دما كلما توهم ان الامر قد عاد الى العسكرتاريا الشرقية او الافريقية او اللاتينية في العهود الماضية ....
و من يعطي صكا على بياض بالثقة المطلقة في الوعود بضمانات العودة الى الشرعية الدستورية او من يعلن يأسه و احباطه لاعنا الثورة و الديمقراطية بعد ايمانه بها ...كلاهما مخطئان ...الوضع دقيق تحكمه موازين قوى بين من يريد ان بجعل ما جرى اغلاقا لقوس الحرية و من يصر على تونس الديمقراطية التي لم تخذلها نخبها الشريفة و لم يتركها اصدقاؤها لحد الان.
معارضة التسلط
معارضة التسلط ليست امرا صعبا على مناضلي تونس منذ عقود من اجل الديمقراطية ..هي شغلة متاحة و متعودين عليها الشرفاء...الخطير حين يصبح الاستبداد شعبويا يدعي انه شعبي باسم المسؤولية امام الله و الشعب و التاريخ و حين يصبح استبدادا مسنودا " بفرارات " شعبويين ينطقون باسم غضب الناس ليصبح كل نصير للحرية و الديمقراطية و الانتقال و الثورة عدوا للشعب المفقر و يصبح كل مدافع عن السياسة و الحياة السياسية المدنية ممثلا للديمقراطية التي هي فاسدة بالضرورة في عرف المنظرين لهؤلاء الموتورين اعتمادا على نصوص الشموليات التاربخية التي بنت نظم الشعبويات المرعبة دينية او ماركسية او قومية التي تجند الناس في معارك السحل و المحاكم الشعبية …
ما نقرؤه لبعض المحمولين خطأ على الحياة السياسية منذ يومين خطر رهيب يذكرنا برعب زوار الفجر في نظم الضباط الاحرار و ممارسات بول بوت و محتشدات " خونة الشعب " في صحاري سيبيريا ....
كتب يوما الدكتور اليساري القومي المصري المرحوم غالي شكري في معتقل سجن الواحات الذي امتلأ بسجناء التيارات الشيوعية و الاخوانية وقتها نصا في كتابه اعترافات الزمن الخائب ..قال : كنا نسمع طائرات الصهاينة في 67 تقصف مصر و نحن نسأل لماذا نحن في المعتقل و ليس في الجبهة مع شعبنا و ما زاد في حجم معاناتنا اننا في المعتقل لأننا معارضون لنظام قال اننا خونة للشعب و ثورته و حاكمتنا محاكم سميت محكمة الشعب ...و لو القانا وسط الناس بعد خطاب ثوري ضدنا في التلفزيون سيقتلنا العمال الذين نسجن لأننا نحمل في رؤوسنا فكرة تدعو الى بناء دولتهم ...دولة البروليتاريا ..
من يستسهل النقد الشعبوي و الفاشي للحرية و الديمقراطية و بنتشي بتجريم تجارب عالمنا العربي في الانتقال الى الحداثة السياسية رغم تعثراتها و ضرائبها و يروج هذا المزاج بين الناس شماتة في خصمه الايديولوجي فهو ينظر للإرهاب باسم الناس و للحرب الاهلية باسم الفضيلة …انه ينظر للمحتشدات باسم الحشود كما يفعل الكاهن بمحاكم تفتيش باسم الالاه …
المجد للديمقراطية و الليبيرالية ….الليبيرالية ( انظر المعاني الاصلية في القاموس السياسي ).