اطلعت بشكل أولي سريع على "المذكرة التوجيهية" للحوار الوطني ومبادرة الانقاذ التي يزمع اتحاد الشغل و المنظمات المدنية الثلاثة تقديمها للمواطنين والسلطة . الوثيقة كما تعرف نفسها من خلال عنوانها هي مقدمة لتأطير الحوار بلجانه الثلاثة التي ستنتهي الى مبادرة وخارطة طريق في اطار ما سمته الورقة "منتدى تونس المستقبل" .
انطباعي الأول عن الورقة ايجابي فهي تقر بدون تردد ان الازمة التي تتخبط فيها البلاد هي سياسية بامتياز وقد وصفتها ب" أزمة حكم " متعرضة بوضوح الى المخاطر التي تتهدد الديمقراطية والحريات تحت سلطة الحكم الشعبوي في سياق عزلة دولية تضع الاقتصاد والوضع الاجتماعي الوطني على حافة الانفجار والانهيار .
الورقة قامت على تثمين التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي وحذرت من مخاطر التراجع عن مكاسبه واعتبرت الحوار افقا وحيدا وقيمة اساسية للتصدي لمخاطر الانقسام وارتفاع منسوب الكراهية وتهديد الحريات وقيم المواطنة …
تقييم المسار التونسي وفاعليه لم يخل من وجاهة في توزيع المسؤولية، ولكن وجاهة هذا التقييم انه يحمل القسط الاكبر من مسؤولية الخطر حاليا لرئيس الجمهورية ومشروعه الشعبوي الذي ينسف كل مقومات الحياة السياسية في المجال الديمقراطي الاجتماعي عبر ما يسمى بمشروع البناء القاعدي واستهداف الحياة الحزبية والمدنية التي تعتبرها الورقة المقومات الاساسية لكل نظام سياسي تشاركي مواطني .
غير ان ملاحظات سريعة يمكن ابداؤها في هذه القراءة الاولى :
بدت الوثيقة التوجيهية واقعة تحت ضغط "الخوف" من اتهامها بانقاذ " المنظومة السابقة " ( منظومة الانتقال الديمقراطي ) مما يجعل بعض الجمل السياسية في تقييم المسار التونسي وعثراته ونواقصه تحتاج شجاعة اكبر في ابراز الطابع المركب للازمة السياسية ودور القوى المضادة للثورة والديمقراطية والوقوف عند حجم المؤامرات والاستعصاء الذي ابدته هذه القوى الداخلية والخارجية في انهاك تجربة الانتقال والوصول بها الى وضع من الهشاشة التي جعلتها سهلة المنال من انقلاب شعبوي رث بدعم من اجهزة الدولة وسكوت من عموم المواطنين وتواطئ من سياق اقليمي ودولي لم يكن متحمسا لربيع تونس والعرب عموما .
في سياق هذا التخوف تضمنت الورقة احتفاء مبالغا فيه ويحتاج الى تنسيب كبييييير فيما يتعلق بدور المجتمع المدني الى درجة تبرئته من كل الخطايا التي نسبت الى المجتمع السياسي / الحزبي فضلا عما بدا في الورقة من غض للطرف عن دور مربعات النفوذ الاعلامي ولوبيات المال الفاسد والاقتصاد المتمفيز في انهاك تجربة الانتقال و ضرب التوافقات وتغذية الاستقطابات وتعطيل الانجاز الاقتصادي والاجتماعي فضلا عن بناء المؤسسات الديمقراطية القوية . ورأينا انه لو تم توزيع النقد بعدل على المجتمعين المدني والسياسي لكان التقييم قادرا على ان يبدو اكثر موضوعية …
ملاحظة اخرى نقف عندها في هذه القراءة السريعة و هي ان هذا الحوار الذي سيطلقه الرباعي يبدو وكأنه يطرح على نفسه مهمة مطولة لم تأخذ بعين الاعتبار الطابع العاجل الذي يتطلبه حل الازمة السياسية .اذ تمت الاشارة الى مهمة تعبوية جماهيرية يطرحها الحوار على نفسه لصناعة حاضنة اجتماعية للمطلب الديمقراطي الاجتماعي وبهذا لم نعد نفهم دور " منتدى تونس المستقبل "هل هو اطار للحوار الوطني ام بديل سياسي تنظيمي؟ ..ام هو "ثينك تانك" او منتدى تفكير استراتيجي ؟
تتحدث الوثيقة التوجيهية على ضرورة شراكة السلطة القائمة وقبولها عاجلا او اجلا بمخرجات الحوار ولكنها لا تتحدث عن الاليات التي ستعتمدها لإجبار السلطة على القبول بالمشاركة رغم الثقة الي تتكلم بها الجملة التي اشارت الى فرض هذه المشاركة والتفاعل …
تحدثت الورقة بصورة مقتضبة عن الدستور الانفرادي الذي صاغه الرئيس ولم تفصح عن موقفها من الدستور الذي تم الغاؤه والانقلاب عليه رغم ان الورقة ذكرت بجائزة نوبل التي احرزها " المجتمع المدني " لنجاحه في حوار وطني نتج عنه دستور لم يدافع عنه هذا المجتمع المدني الذي انخرط اغلبه في سقف 25 جويلية …
هذه ملاحظات اولية لقراءة اولية لورقة تقول احيانا الشيء ونقيضه في اطار الرغبة الجامحة للظهور بمنأى عن صف مقاومة الانقلاب رغم ان الروح العامة لهذه الوثيقة لا يمكن ان تدفع كاتبيها الا للانحياز للديمقراطية ومقاومة الانقلاب وهو ما يجعلنا على العموم نتقبلها بكل ايجابية في انتظار ما ستفرزه اعمال لجانها الثلاثة ...وللحديث بقية .