كلنا كنشطاء سياسيين وفكريين تونسيين ، نحن من جيل وطبقة سياسية وثقافية تحركت ضمن الرؤية الغربية الحداثية للعالم ...وقد مثل مشروع الدمقرطة والتسويات التاريخية املنا وسقف تفكيرنا في العشريتين الماضيتين مقابل رؤية لم تتبلور بالوضوح والقوة الكافيتين وهي رؤية "المقاومة" .
كانت عشرية الربيع العربي تقابلا جذريا بين الرؤيتين في عالمنا العربي وتشكل محوران : واحد نطلق عليه محور الربيع والاخر سمى نفسه محور المقاومة وبينهما محور ثالث وهو قوى النظام الرسمي العربي القديم التي اشتغلت تكتيكيا على المحورين وعمقت بينهما الاستقطاب بعد اندلاع الازمة السورية واليمنية .
كان موقف محور الربيع من محور المقاومة ملتقيا موضوعيا مع الطرح السلفي الوهابي ( الموقف من الشيعة ) والطرح الرسمي العربي والغربي المتصهين ( اعتبار ايران العدو الرئيسي ) والمحور الشوفيني القومي التقليدي ( صراع العرب مع الامتين التركية والفارسية ) ، وكان كل ذلك في سياق الدفاع عن " الديمقراطية " التي تم الايحاء ان محور المقاومة عدو لها اذ تمت مطابقته بشكل مخاتل مع النظم القومية العربية المهزومة التي رفعت سابقا شعار المق. مع ممارسة استبدادية في الحكم .
كان أكثر التيارات يعاني حرجا من هذا الموقف هو " الاسلام السياسي " الذي وجد نفسه ينتقل دون وعي منه الى قوة وظيفية في يد القوة الغربية الاطلسية والنظام الرجعي العربي في الموقف من المقاومة ضمن محاولته التأقلم مع المطلب الديمقراطي وقد تحولت قواعده وانخرط منظروه في سردية تقليدية لم تكن سرديتهم وهي السردية السلفية المذهيية والسردية الشوفينية القومية والسردية الغربية الاطلسية في الموقف من ايران وحلفائها من الفصائل المقاومة .
محور المقاومة ورغم تفرغه في العشرية الماضية الى بناء قوته بعيدا عن المناكفات والصراعات البينية في المنطقة مع نظمها ونخبها الا انه اضطر الى خوض حروب صعبة وعسيرة مع السلفية التكفيرية التي تصاعدت قوتها الغريبة في العشرية وشغلته طويلا عن مهمته الرئيسية ، كما اضطر الى تسويات مع نظم رسمية عربية غيرت تموقعها سريعا بعد احساسها بفشل المشروع الغربي في سوريا واليمن ، كما وجد هذا المحور نفسه موضع محاكمة مذهبية وسياسية من نخب وطبقة سياسية كان من المفروض ان يكونوا حلفاءه ( الاسلاميون الديمقراطيون والليبيراليون الوطنيون ) .
يجب التسليم ان عشرية عربية قامت على استقطاب مغلوط بين محورين كان هناك مشتركات كبيرة بينهما وقد منح هذا الاستقطاب النظام الرجعي العربي والمشروع الغربي الصهيوني فرصة لملاعبة المنطقة واشغالها في صراعات بينية ضيعت عنها وقتا طويلا .
حدث 7 اكتوبر خطوة مهمة لصالح المقاومة والامة ولكن زمنا طويلا سنحتاجه لنداوي ندوب صراعات العشرية بين محور الربيع المواطني التائه ومحور المقاومة المفترى عليه ...في رأيي لن تداوى هذه الندوب اصلا فكثير من النشطاء و المثقفين ربطوا وجودهم وتموقعهم بتلك الاستقطابات التي صنعوها واستثمروا فيها ....ستنتصر المقاومة ولكن لن تجد نخبة عربية جاهزة فكريا لتكون ممثلة لمشروعها الشامل .سيبقى الربيعيون اعداء لمحور المقاومة يحاولون التمييز داخله بين مق حميدة واخرى خبيثة وسيبقى المحور يناقض ربيعيين لا يرتاحون اليه ولا يحسن اقناعهم ....سنحتاج اجيالا اخرى لبلورة المشروع الوطني العربي البديل ...لن نكون نحن .