أن يذهب الانقلاب الى اجراء استفتائه المهزلة على دستور مجهول النسب فهذا أقرب السيناريوهات المطروحة في الايام القادمة . لكن المؤكد ان هذا الاستفتاء الذي سيشهد اكثر مظاهر التزييف الكوميدية لن يكون الا مراكمة لمأزق سلطة حكم فردي تتخبط وتذهب بالبلاد الى الخراب الاقتصادي .
مغالطات تزييف الوعي التي اطلقها اعلام السيستام اخرج النقاش لامحالة من ادانة اغتصاب للسلطة وتعليق دستور ديمقراطي بالقوة القاهرة الى " مناقشات مضمونية"لدستور مزعوم اعتمادا على تسريبات من افواه كومبارس "الحزام الرث" الذي لم يجد 25 جويلية غيره ليؤثث مضحكة حواره المزعوم بعد أن نأت اغلبية النخب والطبقة السياسية بنفسها عنه.
هذه المغالطة بالذات التي تحاول اخراج المعركة السياسية من اجواء مقاومة الانقلاب او معارضته الى مناقشة دستوره دليل على ما كنت اتمسك بقوله دائما ان ما جرى يوم 25 جويلية لم يكن مغامرة فردية لرئيس يريد تصحيح مسار، بل كان برنامجا محكما لغرفة مركبة .
هذا التمشي الممنهج لانقلاب تحيطه رعاية اعلامية تعرف ما تريد و تنضبط له ادارة و قوة صلبة رغم الازمة التي يضع فيها البلاد ورغم الضغوطات الدولية التي تدرك الادارة والقوة تداعياتها،، دليل على ان كل ما يجرى تحكمه خطة ممنهجة لغرفة سيستام داخلي يعرف ما يريد في مواجهة مسار الانتقال الديمقراطي ليجهز نهائيا وبشكل انتقامي على اول ثورات العرب في مهدها الاول بعد ان فتحت مسار انتفاض ممكن على كل عروش الاستبداد والتطبيع .
لكن وبقدر ما أحسنت و تحسن الى حد الان غرفة الثورة المضادة استثمار ذيولها وادواتها في ادارة " انقلابها" لإطالة امد حياته بقدر ما تثبت ايضا الثورة وشارعها الديمقراطي بما راكمته في هذه السنوات العشرة انها مازالت قادرة على تعديل ميزان القوة مع قوى الردة رغم احتلال هذه القوى لكل مربعات النفوذ المادي والرمزي.
صراع القوة بين الثورة والانقلاب لم يتوقف على امتداد هذه الاشهر رغم الاستعمال البشع لقوة الدولة في تفكيك كل ما راكمه الانتقال الديمقراطي من مكاسب وفي محاصرة الشارع الديمقراطي بالملاحقات الامنية والقضائية وبالتحريض المستمر في الخطابات والاكاذيب .
نرجح ان الانقلاب لا افق له مهما امعن في العناد غير ان ذلك لا يمنع من الاشارة الى ان كثيرا من " المكاسب " يراد تحقيقها للثورة المضادة عبر " بيلدوزير " الانقلاب من قوى "السيستام " التي تعرف ان قوسه سيغلق وايضا من بعض القوى الدولية الفاعلة بمن فيها تلك التي لا تراهن على استمرار مشروع الانقلاب .
هناك نية واضحة من الالتقاء "المركب" بين قوى محلية ودولية لينجزوا " بالانقلاب " ما لم يكونوا قادرين على انجازه بالانتقال المتعثر :
اولا : تحجيم وتعديل القوة الرئيسية في الشارع الديمقراطي اي حركة النهضة ولو عبر جراحات موضعية تستثمر في شراهة الاستئصاليين، ولكن دون استعادة لفداحة التسعينات .هناك تعجل واضح من قوى معلومة لاستعمال ادوات الدولة واستغلال الفوضى الانقلابية الراهنة لتفكيك القدرات التنظيمية والتعبوية والدعائية التي راكمتها النهضة واخراجها منهكة من هذا الانقلاب بشكل يسمح بتعديل القوة بين الجديد والقديم في اي منافسة انتخابية قادمة لا محالة .
ثانيا : مساعدة القديم بتحجيم النهضة سيرافقه ايضا اعادة تشكيل " قسري" لعنوان " العائلة المسماة ديمقراطية و وسطية" الى اخر ذلك الاسم الطويل .اعادة التشكيل هذه ستتجه طبعا الى خفض العبث الفاشي، بل وانهائه ربما ومزيد تسهيل تشكل عنوان محترم للوظيفيين باعتبارهم الوريث الشرعي للقديم الدولتي .اعادة التشكيل تبدو عسيرة نظرا للانقسام الدائم في هذه العائلة وتشظيها حاليا بين معارضة الانقلاب ومساندته، ولكن الكاستينغ السياسي المفتوح حاليا قد ينتهي قريبا باختيار عنوانين لا اكثر لتمثيل هذه العائلة.
ثالثا: اتحاد شغل بمخالب اقل وانياب مقلوعة تلك رغبة اخرى يراد تحقيقها في هذه الوضعية الرخوة التي تعيشها البلاد تحت حكم انقلاب محكوم فيه .
لكن هذا كله يبقى خطة "من يحسب وحده" لكن يمكن "يفضل له" اذا تمكنت القوى المقاومة للانقلاب من تطوير فعلها وبناء خططها ورؤاها بشكل ابداعي لإجهاض ما يخطط له سواق القطار الخفي .عندها تكون التسوية هذه المرة عادلة وبشروط الثورة .