الاكراه الوطني في انتقال مستحيل ..
لست ساذجا بعاطفية شعرية حين افكر بهذه الغرائبية التي يوحي بها العنوان و لكن المنعرجات الكبرى في تاريخ الشعوب تدفع في اللحظات الحاسمة نخبها الاساسية الى المغامرات الضرورية التي تقتضيها اكراهات واقع لا يعترف بتخشب العواطف و لا بصرامة العقل المتمترس وراء المبادئ الصورية الخاوية .
التحولات الاقليمية و الدولية العاصفة تحدث بالضرورة ما يلزم من انقلابات معرفية و حركية حين تكون مقتضيات مصلحة المساكنة الضرورية في رقعة ارض مشتركة تسمى وطنا ملزمة للعقول السياسية بارتياد اشد الحلول غرائبية .
يصر الحزب الاكبر حاليا النهضة على مقولة التوافق و يؤكد رعاة الانتقال التونسي بمن فيها منظومة الدولة / النظام بجميع شظاياها على مقولة الشراكة او الوحدة الوطنية لادارة مرحلة انتقال ستطول حتما بحكم الواقع المحلي و الدولي .
لكن مقولة التوافق النهضاوية و سردية الشراكة و الوحدة الوطنية الدولتية تنتهي في الغالب الى حصرها في هذين الطرفين الذين يمارسانها في الغالب بينهما على قاعدة المخاتلة و بلا برنامج وطني و بمجرد تسويات ظرفية بين الشقوق و القوى التي تتغالب في وضع لا حرب و لا سلم دون ان يستفيد الوطن او يتحرك التاريخ .
هذا التوافق او الشراكة التكتيكية تتم غالبا على شروط القديم (النظام ) و بمساهمة جديد ( النهضة ) غير معبر بالضرورة على اهداف " الجديد " و في المقابل يواجه هذا التوافق نقدا و معارضة شديدة من فصائل جديد يراه توافقا مشوها ا و ردة و من فصائل قديم مازال فاعلا و معطلا يراه لمصلحة " اعداء دولته " كما يراها و يقيمهم .
التوافق ..التسويات ..الكتلة التاريخية ...اكراه وطني و حتمية تاريخية في مراحل التأسيس و حيلة عقلية لازمة في مجتمعات منقسمة باحثة عن الاستقرار الديمقراطي و التسويات الكبرى قبل المرور الى مرحلة الصراع الديمقراطي حول مشاريع الحكم للتداول عليه حفظا للاوطان و تحقيقا لمطالب الشعوب بما هي مناط كل حكم .
في حالتنا التونسية و بعد حدث 14/17 و ما تلاه من انقسامات حادة لم يكن و لن يكون هناك خيار اخر غير ما مارسته الشعوب التي دخلت مراحل الانتقال الجذري و هو التوافق الكبير و المرحلي قبل ان تتحول البلاد الى تجمع سكني لا يمكن حكمه .عناد النخب و الطبقة السياسية بقديمها المتشظي و جديدها المختلف لا جدوى منه امام احكام التاريخ .
النهضة كجزء من جديد مختلف عن المكونات الاخرى لهذا الجديد و شظايا القديم الذي لم يعد له ناطق واحد لا تكفي و لا تجسد و ان زعمت هذا المطلوب و السنة التاريخية المسمى توافقا ما يعني ان التوافق المقصود كتسوية ضرورية يجب ان تمر بها الشعوب المنتقلة لن يكون هو هو إلا بشراكة الجميع .
المرزوقي و حمة و بن جعفر المذكورون اعلاه في عنوان المقال ليس المقصود بهم مجرد الاسماء المعلومة بل المقصود طبعا هو ما تحيل اليه من قوى : الليبيرالية الوطنية المعارضة سابقا للقديم و اليسار التاريخي .دون شراكة هذه الاطراف يظل مفهوم التوافق و الشراكة مجرد زعم نظري لا يحيل على مقصوده التاريخي كأحد قوانين الانتقال .
لست بالسذاجة التي تجعلني احلم بإمكانية تناسي الخلافات الجذرية بين هذا الثلاثي فيما بينهم و لست بالحماقة التي تجعلني اغفل عن موقفهم من فكرة الشراكة و التسوية مع القديم الحالي و المتحول شقوقا و احزابا او من فكرة الحكم مع الاسلاميين و لست بالطوباوية التي تجعلني اجهل رفض قديم خائف و رافض لشراكة مع هؤلاء .
و لكني في كل الاحوال افصل في ما هو مقصود بالتوافق و الشراكة و كيفية تحققه . ذاك اكراه التاريخ و تلك مقتضيات الواقع العاصف و دون تحققه لن يكون الامر الوطني غير دوران في الحلقة المفرغة في انتظار ان تقيض حتميات التاريخ من ينجزه و ذاك مكر التاريخ و تلك اكراهاته و التاريخ لا يخشى توصيفه بالحالم او الرومانسي فإذا كان وعد التاريخ تحقق .