جميل جدا ان تروج منذ قليل على هذا الفضاء الازرق كالنار في الهشيم قولة الراحل المفكر هشام جعيط التي اشار فيها انه يشعر بالمهانة في انتمائه إلى دولة بلا أفق ولا طموح الخ " …
وبعيدا عن موجة المشاركة الاوتوماتيكية لما ينشر اريد ان اوضح للمحتفين بهذه القولة ان السياق الذي اعلن فيه جعيط رحمه الله هذا الموقف مختلف عن سياقنا الحالي :
اولا :لقد قال ذلك في سياق "دولة متسلّطة (إن لم أقل إستبدادية ) " (والكلام له) وهي مرحلة مختلفة عن لحظتنا الراهنة وهي لحظة دولة ضعيفة متصدعة تشقها صراعات لم تعد خفية عن عين المتابع ونقطة التشابه الوحيدة مع العصر التسلطي هي انها اليوم دولة يتواصل فيها غياب نفس ما كان يغيب في دولة الاستبداد اذ "لا يوجد فيها علم ولا عقل ولا جمال ولا حياة ولا ثقافة حقيقية"
ثانيا: الواقع الشعبي والاجتماعي السابق الذي قال فيه جعيط كلامه هو ما سماه "المجتمع الإقليميّ، المزيّف والجاهل" ولكن الأخطر اليوم هو اننا امام مجتمع منقسم وشعب يعادي بعضه بعضا وتطغى عليه الغرائز الشعبوية من الحقد الطبقي الى تجريم الديمقراطية واتهام الثورة وتبادل قيم الشماتة ورغبة الكل في الانتقام من الكل .انه شعب يعيش حربا اهلية مكتومة او باردة .
ثالثا : قال جعيط هذا الكلام في سياق استحثاث نخبة فكرية وطبقة سياسية كانت معنية بهذه الصرخات التي تطلقها مرجعياتنا الفكرية الكبيرة، ولكن الوضع الحالي لهذه النخبة المعزولة والطبقة المرذلة هو وضع انقسام حاد قائم على التناحر والتنافي والتزايد في الشعبويات الجاهلة ومغازلة عامة تملؤها قيم اشعال الحريق الشامل وحرب الكل ضد الكل ...نخبة وطبقة لا تحسن الا فتح النار على اقدام بعضها لاسترضاء الغرائز المنفلتة لشعب محتقن و غاضب بلا بوصلة …
لهذه الاسباب كلها ...قولة هشام جعيط متاع سياق اخر اقل خطورة ....توة البلاد تحتاج الى من يقول ما قاله بطل موسم الهجرة الى الشمال بمقدمة المرحوم توفيق بكار : " النجدة ..النجدة " ....او اطلاق صافرات سيارات عسكر الحريقة في يوم واحد وفي نفس الدقيقة في كل مدن البلاد لتتوقف كل السيارات ويقف المترجلون في الشوارع ...كما يفعل ضحايا الهولوكست في الذكرى السنوية للمجزرة …