" ارتباط جزء من منظومة الحكم بالفساد " و " وجود مستشاري سوء في الحكومة" ...جملتان لفتتا انتباهي رغم غموضهما في كلام المقال القاضي بوخريص . هذه الطريقة في المقاربة " التنسيبية " و بقطع النظر عن مضمون ما تقوله تسمح لي باستخلاص منهج تفكيك المعقد الذي حرصنا على اعتماده باستمرار في معالجة مشهد مختلط :
اولا :حرصه على ترتيب معركته مع " المنظومة " عبر تقسيمها ( هناك جزء...مستشارون ...الخ )
و ثانيا : تأكيد ما يتناهى الى أسماعنا و أشرنا اليه سابقا حول طريقة حكم " تنظيم الطلبة " بالعودة الى أسلوب " الشللية العائلية و التنظيمية" في التمكين و التشبيك مع مراكز " نفوذ مالي " مسيطر على اقتصاد بلاد لم يتحرر من قبضة الحلقات التقليدية المرسكلة بعد هروب رأس المنظومة منذ عقد من السنين و حسن توظيف حزام سياسي يتم تحويله بأحزابه و قواعدهم الى مجرد شهاد زور في معركة تتوجه فيها الانظار بالأساس الى مؤامرات الانقلاب بقيادة الشعبوية و الفاشست و الوظيفيين بما يجعل الكل حزاما مشيشيا و جبهة قيسية في خدمة طلبة و لوبيات ينفردون بالقصعة على راي المجاز الذي استعمله صديقي زهير اسماعيل …
رفضت منذ اختلاط الاوراق التساهل الشعبوي في الادانة المطلقة لأحزاب الحزام السياسي كما يريد ذلك الوظيفيون و الفاشست الذين يتوهمون انهم قادرون على تبكيتنا بالوصم حين نميز بين مواجهة الفساد و القديمة من جهة و الانقلاب على المسار برمته من جهة اخرى ..
اعتمدت باستمرار اطروحة نقد هذه الاحزاب على قاعدة الاقرار بتباين الاجنحة داخلها بين متواطئين و صامتين او متباينين في الرؤية و الموقف من ممارسات حكومة طلبة التجمع و الاكتفاء بتداول هذا التباين داخليا و قد سبق ان غضب من اطروحتنا هذه بعض الاصدقاء في الحزب الاكبر ( النهضة ) حين تحدثنا عن هشاشة و سوء اداء المكلفين في هذا الحزب بمركب الحكم ممن يقصرون في متابعة و مراقبة اداء حكومة المشيشي حتى لا تتصرف على " طلق ذراع " التنظيم الذي يهيمن عليها ….
لا افهم المشهد السياسي و صراع مكوناته في الحكم و المعارضة على قاعدة صراع فسطاطين : خير مطلق يعارض و شر مطلق يحكم و لا العكس .. بل احلله بالمعلومة و المعطيات على قاعدة تشابك القوى و صراع الخطوط و الاجنحة بين قوى اصلاح و قوى خراب تتوزع على كل الجبهات و تخترق افقيا كل القوى …
التحليل المركب يزعج الجميع لأنه لا ينتصر لأحد بشكل مطلق و لا يرضي ادعياء الطهورية المطلقة ممن لا يريحهم الا الانحناء و التسليم بتقسيمهم " الاقنومي " الثنائي الذي ينصبون فيه انفسهم " حوزة للصلاح و الطهارة " في مقابل جبهة الاخر بماهي جبهة الخراب و النجاسة …
تجربتنا الطويلة و المتواضعة في معرفة مشهد سياسي معقد بشخوصه و قواه علمنا ان لا نركن الى سذاجة هذا التقسيم الثنائي المطلق و ان نعلن دوما في قرارة انفسنا قول المسيح العارف بالناسوت : من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر …عشر سنوات تداخلت فيها الاوراق و لم نعد نملك ما يلزم من غباء لنقبل بهذه القسمة الضيزى …معركة تفكيك المركب هي معركة العقل في مواجهة الغريزة …كل الفرز داخل كل الصفوف و الحقيقة لا تظلم احدا شرط ان نسمح للزمن بممارسة فعل تعريتها ….
يبقى على عماد بوخريص ان كان صادقا طبعا …ان يخرج من هذا التعميم التنسيبي و يخصص فيذكر لنا من هو " الجزء " المقصود و من هم " مستشارو السوء " …..دون ذلك سيصنف عندنا هو ايضا من ضمن مشهد قوامه اختلاط الاوراق و تداخل الفسطاطين في لعبة صراع مشهدي ينفرد من ورائه بالقصعة من كان ينفرد بها منذ عقود ….
موقع محرج و عسير نختار التموقع فيه باستمرار …غير ذلك …يجب ان لا تكون لنا عقول حتى ننخرط في سطمبالي الاستقطاب الذي يريد فرضه علينا احزاب المعارك الكاذبة و حشودهم ….