دعنا في نقاش سياسي للصراع الحزبي..
لا يلعبن احد علينا لعبة الاستقطاب بعناوين " اخلاق" و "ثورة " فنلعب عندها فوق لعب " اللاعبينا " ...يجب ان نكون صغارا و حمقى حتى نفهم الازمة الاخيرة و المناورات السياسية التي انتهت اليها الازمة على انها بمثل هذا التبسيط: نهضة " فاسدة " و " عميلة " و خائنة للثورة تريد تشريك " الفساد " او تسقط حكومة " الاصلاح و الثورة " ....
هذا تبسيط لا يحترم كثيرا عقولنا شبه الذكية التي تحرص بقدر معقول من الصدق على تحليل " السياسة " في بلادنا على انها " سياسة " و بس ...على انها " سياسة و بس " هذا هو الطريق الوحيد لفهم ما يجري اولا و لنكون ثانيا على نفس المسافة من جميع الاحزاب " بتوع السياسة و بس " حتى نكون قادرين على تقديم الحلول للازمات…
على فكرة ...الياس الفخفاخ رئيس الحكومة المكلف صديق مقرب و سأزعم اني كنت من اهم المساندين و العاملين على تكليفه بل اكثر حماسا لتكليفه ممن يريدون الان " اكل ثوم الاجندات الخاصة بهم " بأضراس صديقنا المكلف ...و سأضيف اكثر انني كنت تحليلا و تصورا مع نهجه في تحديد الخط السياسي لحكومته دون قلب تونس ليس ضمن سياقات اقصاء او انتصاب مكان القضاء او زعما لطهرية لا يستطيع ادعاءها احد من الفاعلين في مشهد سياسي معقد و مركب بل من منطلق ضمان لقدر ادنى من تجانس سياسي يستطيع ان يؤسس لمرحلة تثبيت اخرى لاستقرار الانتقال الديمقراطي عبر تناغم مرحلي ضروري بين ثلاثي قرطاج و القصبة و باردو .
مسارات تفاوض التشكيل تدفقت داخلها مياه كثيرة من جهات مختلفة ومتنافرة شوشت الصورة وعصفت باخر بقايا الثقة بين النهضة وعدد من الاحزاب ثم راكمت هذه المياه اصطفافات ملخبطة ومتداخلة تحولت فيها الحكومة المقترحة فعلا الى لوحة غامضة من تداخل الاجندات وتقاطع المصالح والتقاء المتناقضات.
التبسيط المذكور اعلاه في توصيف الازمة الحالية ليس فقط تلاعبا بعقولنا بل هو تعميق لهواجسنا خصوصا حين يصبح الناطقون به اصدقاؤنا السابقون الذين كنا جميعا في نفس صف الرفض للاستقطابات المغلوطة و المزيفة منذ 2012 و اكاذيب " الفرز المغلوط " منذ اعتصام الروز بالفاكية .
لا شك ان اخطاء كثيرة في منهج التفاوض يتقاسمها جميع الطيف السياسي ولكن رئيس الحكومة المكلف يتحمل فيها مسؤولية أكبر وقد كان ولعله مازال بالإمكان تداركها …
هذا السير المحموم نحو تبسيط الازمة لجعلها بين " النهضة الفاسدة المفسودة " و " ثوار الاصلاح المحض والطاهر " الى درجة اقحام رئيس الجمهورية فيه وزعم النطق بجبهة يحشر فيها ظلما السيد قيس سعيد.. هذا ليس فقط تزييف لوعي الناس بل استمرار في معالجة الازمات السياسية بروح غير مسؤولة تعمق باستمرار شكوكنا و رغبتنا الدائمة في فرز صفوف الديمقراطية و الثورة و الانتقال لتنقيتها من الادوات الوظيفية للاديمقراطية و اللاثورة و اللانتقال ..
حين ندعو الى قراءة هادئة لمشهد هو مشهد " سياسة و بس " لا مشهد صلحاء و فساد و ثوار و اعداء ثورة و نظاف و ممسخين فنحن بذلك ندعو الى جدية اكثر لمعالجة ازمات الانتقال ....
هذه المرة قد يربح أنصار الفرز المغلوط والاستقطابات المزيفة وغرف التلبيس والمؤامرات اصدقاء سابقين كانوا خصوما للتزييف والتغليط ...لا يهم...هذا لا يخجلنا في شيء ...نخسر مؤقتا ثم يتبين الخيط الابيض من الاسود ...لكن لا يستبلهنا أحد …
تنفيذي النهضة ينزع فتيل التوتر مع قرطاج
تنفيذي النهضة ينزع فتيل التوتر مع قرطاج لتتوقف بذلك محاولة اصطناع جبهة غير ممكنة اصلا بين " الاحزاب " وقيس سعيد.. التفكير في ذلك اصلا هو من قبيل "سذاجة" أطراف لم تفهم شيئا من دروس 2019 وسياقاتها وطبيعة "ظاهرة" قيس سعيد.
ازمة " الفعل السياسي التونسي " الراهن انه محكوم في بعض تمظهراته بتدبير كثير من " الهواة " الذين لا يقرؤون تعقيداته ولا يفقهون " محددات " الانتقال التونسي وتفكير " رعاته "داخليا في " الدولة العميقة " وخارجيا من تقاطع القوى الدولية المكرهين على استقراره.
نستطيع ان نفهم " البراءة الغرائزية " لاتباع الاحزاب في " الفيراج الفايسبوكي " لكننا نبتسم بحسرة مما نراه في تحاليل بعض المحمولين على صناعة الافكار والقرار داخل هذه الاحزاب.
رغم صعوبة المشهد ورداءته التي لن تعالجها الا " السابقة لأوانها " الا ان " امكانات واستعدادات " الجميع ستجبر على أضعف الحلول ...حكومة الامر الواقع التي تولد مشلولة تحاصرها الثقة المهزوزة وامزجة النوايا المقعمزة ...حكومة " الخير من بلاش " ...2019 قوس يغلق في انتظار نصف العهدة …
أحسن ما في هذا الانتقال اننا نجرب ما لا يجب ان يكون ونكتشف ما يجب ان يكون في تسع سنوات ...دروس جيدة في زمن معقول لانتقال يحميه من حسن الحظ توازن الضعف ومحدودية ذكاء طيف كبير من الفاعلين …
دور رئيس الجمهورية هو "مدير سياسي للازمات" لا مجرد "قارئ دستور " …
بطبيعة الحال كنت من الداعين الى انتخاب الرئيس قيس سعيد في الدور الثاني ويشرفني ان يكون رئيسي أحد حماة الدستور ...لكن ما سيفاجئ البعض انني" سياسي " المزاج وأرى ان دور رئيس الجمهورية هو "مدير سياسي للازمات" لا مجرد "قارئ دستور " …
في لقائي الوحيد مع رئيس الجمهورية اثناء ادارتنا للمبادرة السياسية في مفاوضات حكومة الجملي اكدت له انه الان رئيس في مشهد سياسي قائم...مرتكز المشهد القائم هو " سياق تقليدي " اي احزاب ومناورات وتسويات وتدوير زوايا ...واكدت له ان وظيفته الاساسية حاليا ليست انتظار ما يجب ان يكون بل ادارة ماهو كائن ...وقد كان الرجل متفهما وحاول المساهمة في حلحلة الازمة واظنه استمع بعد ذلك جيدا لحديث " السياسة " الذي رددناه حين اختار المكلف من " قائمة الاحزاب " لا من خارجها …
ما نراه الان من " مدائح " لما سمعناه اليوم من الرئيس قيس سعيد من " درس في القانون الدستوري " هو استمرار في سطحية التعامل القداسي مع " الرؤساء " او مجرد اكاذيب ادعياء للاستقواء برئيس لم يحبوه اصلا …
لو كتب لي ان التقي الرئيس لقلت له تعليقا على ما قاله وفعله اليوم: يا سيد الرئيس.. الازمة السياسية الراهنة التي تهدد البلاد تحتاجك رئيسا اي سياسيا لا فقيها دستورانيا شكلانيا …
هكذا تعاملت مع الرئيس المرزوقي وهكذا نتعامل مع الرئيس قيس سعيد …نسانده وننقده لأننا نحترمه ونحترم البلاد …هذا الغزل المشبوه الذي يطلقه نحوه كثير من المشبوهين…دعنا من العاطفيين الصادقين … لا ينطلي علينا …و لا عليه ايضا … بل يضر البلاد …سيكون الاستاذ قيس سعيد سياسيا بالضرورة فهو ادرى بالغرف و شغلها حتى لو مدحه و استقوى به بعض مديريها …