من الناحية العملية وبعيدا عن كل اشكال التنظير السياسي المجرد ..و باستثناء بعض بلدان الريع النفطي في الخليج و التي مازالت تملك رصيدا لاستمرار الدولة الزبونية ورتق تناقضها مع مجتمعاتها محدودة العدد ؛؛ يمكن القول ان كل المجتمعات العربية تعيش وضعيات انقسام حاد في سياق هرم وانهيار ما سمي بالدول الوطنية او دول الاستقلال / ما بعد الكولونيالية …
ان يكون هذا الانقسام جهويا او مناطقيا او عرقيا، او طائفيا، او مذهبيا، او ايديولوجيا فهذا غير مهم لكن المسار تقريبا يتجه نحو مزيد من الاستقطابات التي لم تعد مجرد شروخ عمودية بين الدولة والمجتمع، بل نزلت الى الاعماق لتصبح افقية بشكل دراماتيكي بين افراد الشعب وبمساهمة ما يسمى بالنخب التي تساهم بشكل متسارع في تعميق هذا الاحتراب الاهلي المطلوب دوليا لترتيب المنطقة بشكل جديد في اطار صراع مصالح حاد .
لا تشذ تونس عن هذا المصير ؛ وبقطع النظر عن التقسيم والتجريف الذي تنجزه سلطة الانقلاب منذ سنة؛ تبدو جميع مكونات المجتمع السياسي والمدني وعموم مكونات الشعب التونسي في وضعية حرب باردة لا تستطيع ان تخفيها الحذلقات المنافقة التي يصدرها الجميع حرصا على " الوطن" فالجميع يعتبر نفسه مالكا للحقيقة وممثلا للصلاح في مقابل الجميع الاخر باعتباره موطن الخطأ والفساد .
المشكلة في تونس ان الطابع البارد لهذا الاحتراب ووضعية توازن الضعف بين الجميع سيؤبدان هذا الانقسام الوطني وسيمنعان اي طرف من الحسم لصالحه، بل ان " الدولة " نفسها التي تكون في العادة قوة " الحسم والتعديل " اصبحت بدورها موطنا للانقسام فضلا عن ضعفها وسط اقليم متحرك سوف يتدخل بالضرورة لفرض اصطفافها لهذا الطرف او ذاك .
قبل انقلاب جويلية كانت " الديمقراطية الهشة " رغم ضعفها تمنح الجسم الوطني التونسي المنهك بعض فسحات " توافق" و حلول " وحدة وطنية " او " مفاوضات تنفيس" و توفر مشروعية اخلاقية لمساعدات دولية تراهن على "النموذج التونسي " ولكن بعد الانقلاب اصبحنا بوضوح امام حقيقتنا : حكم تائه ونخب شرسة وفارغة بدون بدائل وشعب اطلق عقال عنفه المتبادل ...لهذه الاسباب قلنا ان الانقلاب الشعبوي لا يفعل غير ان يضعنا عراة بلا ورق توت يستر عورة " دولة هرمت" ونخب افلست وشعب بلا مرجعيات…