المجتمعات كالأجسام كائنات حية تتغذى و تنمو و تتناسل.. تتنفس و ترد الفعل و تتأقلم و تواجه الميكروبات و تستوعب و تعطس ...في قضايا الهوية نحتاج كثيرا من الفهم و التفهم ...ليس صحيحا كما يدعي بعض السياسيين المتعجلين ان القضايا الهووية و الثقافية تحسم و تغلق كما تحسم و تغلق الملفات العملية الاقتصادية او السياسية ...المسائل الثقافية و مشكلات الهويات هي الدم المتحرك في شرايين المجتمعات تظل معها حتى الممات …
الانغلاق و الانفتاح.. الخصوصية و الكونية ...هي مقومات كل ثقافة انسانية ...اليات التعصب و الانفتاح هي اليات دائمة تشهدها كل ثقافة و تراوح بينها ما بقيت تلك الثقافة حية …
مع كل احساس بالضيم و الاغتصاب و الالحاق الاقتصادي او السياسي او الثقافي تتحرك اليات الانغلاق و التقوقع على الذات كإحدى وسائل الدفاع و المواجهة و التحفز للمقاومة ...و مع كل احساس بالارتياح و الاستقرار و الندية تشتغل اليات الانفتاح و الاستيعاب و النزوع الى الكونية في الثقافة او الهوية حين تطمئن الى حصانة ذاتها …
في الانتقال التونسي كما في كل مراحل الصراع السياسي بين أطراف المجتمع و بين الدولة و المجتمع يبرز الصراع الهووي باعتباره مناط الهيمنة الرمزية و افتكاك الوجاهة و احتلال مراكز القرار .... الصراع الاجتماعي و الطبقي و السياسي في تونس اتخذ باستمرار عنوانا ثقافيا مثلت فيه "الهوية الثقافية "و الصراع حولها سلاحا بين الشعب و النخبة …
في كثير من الاحيان سيبقى " التيار الشعبي " او "يسار الشعب " المعبر عنه سياسيا هو تيار هووي او فلنقل بشيء من المغامرة المفهومية لن يرى الشعب يساره المعبر عن معاركه الديمقراطية و الطبقية في مواجهة الاستبداد و الاستضعاف الا في " يمين سياسي محافظ " …
هل قلتم انتهت الهووية؟ تسرع كسول في عصر تبدو فيه المعركة اساسا هي مسار الكفاح الديكولونيالي بجميع جبهاته …