يجب ان نكون سذجا اذا لم نكن عارفين بأن الاتحاد كان فعلا في عشرية الانتقال "أقوى قوة في البلاد". كل المطلعين على المطبخ السياسي التونسي كانوا يعرفون ان التعيينات على رأس المؤسسات العمومية الكبرى من الاعلام وصولا الى كل القطاعات الانتاجية والخدماتية الكبرى كانت تتم بمشاركة الاتحاد وبرأيه المرجح وان كل من لا يرضى عليه الاتحاد او لا يقبله في اي منصب عال داخل الادارة لا يستطيع ان يستمر طويلا.
كانت الأحزاب الفائزة في الانتخابات لا تستطيع ايلاج خيط في ثقب ابرة الا بموافقة الاتحاد وكانت الاحزاب الصفرية في المواعيد الانتخابية فضلا عن منظمات المجتمع المدني المحدودة في قوتها تتحول الى فواعل رئيسية كلما استقوت بالمنظمة العتيدة .
الخيارات الاستراتيحية الكبرى جهويا ووطنيا في مجال السياسة الثقافية و الاعلامية والتربوية فما بالك في المجالين الاجتماعي والاقتصادي لا يتم تسطيرها او تنفيذها الا بموافقة الاتحاد .
ورغم التهجمات الظاهرة التي كانت تشنها قواعد النهضة وعدد من الاحزاب المحمولة على خط الثورة والانتقال الديمقراطي فقد كان نقابيو هذه الاطراف السياسية الى جانب القيادة الحالية في معركتها حول الفصل 20 .
النقابيون المعارضون للقيادة الحالية في معركة الفصل 20 وقفوا منذ البداية مع الانقلاب في اطار انتظار نصرتهم تكتيكيا على المكتب التنفيذي وهو ما تم بوضوح، ولكن القيادة الحالية بدورها اختارت رغم كل شيء الوقوف تحت سقف ما سمته بمسار 25 جويلية في حالة من العمى الاستراتيجي المثير للانتباه .
لقد كان واضحا لكل ذي عقل حصيف ان مصلحة الاتحاد كانت في ضرورة الانتصار للمسار الديمقراطي والتصدي لإيقافه بالقوة القاهرة للدولة فقد مكنت عشرية الانتقال للاتحاد كقوة رئيسية في تقرير مصير البلاد منذ جانفي 2011 مرورا بالحوار الوطني في 2013 و صياغة الدستور وصولا بعد ذلك الى شراكته في القرار الاداري والاقتصادي والاجتماعي .
لا شك ان موقف الاتحاد من انقلاب 25 جويلية قد تم تحت ضغط تيارات سياسية ايديولوجية تمركزت داخله ولم تحسن قراءة ما وقع الا من زاوية الخلاص من الخصم الايديولوجي وهو النهضة رغم ان هذا الخصم كان على امتداد العشرية يربح الانتخابات ليركن بعد ذلك للمنظومة القديمة والاتحاد ليسلم لهما حكم البلاد دون ان ينجز هذا الحزب شيئا للثورة و للناس الا تحمل الاتهامات بغزو مفاصل دولة لم يدخلها اصلا او ضاع في متاهات اروقتها المضللة .
لقد خسر الاتحاد اكثر المواقع راحة في عشرية انتقال كان فيها القوة الأعظم التي تحكم دون ان تكون في قرطاج او القصبة او تحت قبة باردو ودون ان يتحمل ضريبة الحكم الموجعة واختار في قفزة بهلوانية ان يقف الى جانب خيار قد يسقيه علقما لم يشرب مثله الا في عقود ماضية في ازمنة الحكم التجمعي الانفرادي …وهذا من مفارقات الزمن وحيل الاقدار …ولله الامر من قبل ومن بعد …