تذكير
تعرضت في المقال الاخير الى وضعية الحزب الاكبر حركة النهضة وما حققه بحسن التموقع وادارة المعركة وتجنب الاستقطاب الرأسي مع الانقلاب وتفويت الفرصة على الوظيفيين والفاشست لدفع 25 جويلية الى معركة استئصال تقليدية مع " الاسلام السياسي" ولكنني اشرت الى ماكان يجب ان تشرع فيه الحركة الديمقراطية الوطنية بقيادة جبهة الخلاص بعد انطلاق المرحلة السياسية من ضرورة تمكين الاحزاب المكونة لها واساسا حزب النهضة من انجاز انتقالها المضموني والقيادي وحتى التنظيمي ان لزم الامر لبناء التحالف الاستراتيحي الكبير في اطار الحركة الديمقراطية الوطنية الجديدة بالدروس المستفادة من عشرية التعثر .
وقد وعدت ان اتعرض في الجزء الثاني الى المكون الثاني في المشهد التونسي وهو ما انجزه سريعا في ما يلي .
الاتحاد العام التونسي للشغل :
لم تشهد المنظمة العمالية وضعا من الشلل والضعف والهوان قدر ما شهدته في علاقتها بالرئيس قيس سعيد وبانقلاب 25 جويلية .
لقد أدركت المنظمة ان النظام / الدولة مع قيس سعيد او به او من خلاله وعبره قد استعادت هيبتها على الشاكلة النوفمبرية مما فتح الطريق واسعا لعودة الاتحاد الى وضعية التدجين والمسايرة لتنتهي بذلك عشرية العسل التي كان فيها الاتحاد احد الحكام الفعليين دون ان يلطخ يديه بالوحل المباشر للسلطة .
اكدت شهادة السيد حسين العباسي المتلفزة وكتابه ما سبق ان كتبناه في مقالين شهيرين بين 2012 و 2013 (ألبا علي القيادات اليسراوية في الاتحاد ) من ان المنظمة التي تم تسليمها في مؤتمر طبرقة الى بعض فصائل من اليسار الوظيفي والقوميين سيكون دورها اساسا اسقاط حكم النهضة والمرزوقي اولا ثم التمهيد لعودة المنظومة مطعمة هذه المرة بحلف يسارونقابي تبلور في اجواء اعتصام الرحيل واخذ صورته السياسية الملغومة في نداء تونس قبل ان ينفجر هذا التركيب المصنوع على عجل بحكم مخالفته للطبيعة والتاريخ وبفعل الضغط الدولي المعارض للتوجه الفرنسي الاماراتي الذي اراد توظيف الاتحاد واليسار الوظيفي لإجهاض الانتقال الديمقراطي .
رغم انفجار النداء وفشل الاتحاد اليسراوي في الاجهاز على الانتقال فقد كانت خسائر المنظمة الوطنية كبيرة وفادحة اذ عصفت القيادة اليسراوية الوظيفية بالصورة الكفاحية والوطنية التوحيدية لخيمة حشاد و مزاجها العاشوري رغم محاولات نورالدين الطبوبي على امتداد السنوات الموالية لانتخابات 2014 العودة بالاتحاد الى مربع التوافقية والاعتراف بالثورة والانتقال الديمقراطي والتوقف عن تحويل الاتحاد الى منصة استهداف للإسلام السياسي وقيادة للائتلاف " النمطي " من قديم تجمعي رافض لمنظومة الثورة والانتقال ويسار فرانكواستئصالي .
ظل الاتحاد مع ذلك على امتداد السنوات السابقة ل25 جويلية طرفا اساسيا يميل في اللحظة المناسبة الى ما ينتصر للقديم وما يحقق غريزة استئصال الاسلاميين والخط المرزوقي او الثوري وكان منظمة وظيفية بامتياز تتحكم في مربعات صناعة الراي العام ( الاعلام ) وفي تعميد الدخول الى المناصب العليا في مؤسسات الدولة ورغم سنوات التوافق مع النداء السبسي ثم الشاهدي لم تتمكن النهضة من استرضاء الاتحاد وظلت مجرد خادم مطيع له يختار لها حتى من تعينه من ابنائها في المناصب العليا بل اصبح الطامحون من قياداتها الى المناصب العليا يأتون بموافقة الاتحاد الى مؤسسات حركتهم قبل نيل رضى مؤسسات الحزب .
ورغم جهد نورالدين الطبوبي للخلاص من ضغط التوتر اليسراوي والقومي في مكتبه التنفيذي وهيئته الادارية ورغم صعود بعض المحمولين على الخط الديمقراطي المحافظ في قياداته العليا والوسطى في المؤتمرات الاخيرة ورغم اهمية اصوات النقابيين النهضاويين الحاسمة في تصعيد القائمات اليسارية المتنافسة فقد ظلت المنظمة الى حدود 25 جويلية مسمارا في خاصرة الانتقال الديمقراطي ليس فقط بالمحافظة على الاستقطاب الايديولوجي مع الاسلاميين في بلاد كانت محتاجة لوحدة وطنية حول برنامج براغماتي بل ايضا بالوقوف ضد كل انتقال اقتصادي يحرر البلاد من الريع والدولة الزبائنية و"قطاع عام الحبايب" "المقسوم مع قطاع خاص العائلات" في منوال تنمية متخلف كانت وثائق الاتحاد في الالفين اول من دعت الى ضرورة القطع معه .
ادرك قيس سعيد و 25 جويلية اتجاه الريح وما اصبح يمثله الاتحاد اكثر من الاحزاب من خطر على كل من يريد انفاذ سلطته من داخل الدولة واتجه بشكل واضح الى تحييده ثم الى اجباره على الصمت ليتقاطع في ذلك مع مزاج دولي وشعبوي ومقتضيات تحولات عاصفة تحتاج تجريف كل عوائق " التغيير الكبير " .
اقتنعت القيادة النقابية سريعا " بجدية التهديد " لأنها تعرف تماما حقيقة " الدولة /النظام " بعد ان استعادت " شوكتها" التي استضعفها " مجتمعها " المدني حين كان يحكمها احزاب " الصندوق الديمقراطي " فركنت هذه القيادة الى " مساندة اللحظة " وزعم الانخراط فيها مع وضع مسافة " الريفلاكس النقدي التفاوضي " الموروث من ثقافة النقابي ولكن هذه النقدية ظلت حذرة على طرف اللسان تقرأ بشكل جيد موازين " القوة " والريح المحلية والدولية من اجل تونس وظيفية مستقرة مستقبلا دون "تضخم نقابي" .
لكن ما تقدم لا يمنع من القول ان صيغة جديدة من الفعل النقابي والمدني ستنشأ في تونس " ما بعد الديمقراطية والتسلطية " كما عرفناها في المقال الأسبق وبامكان منظمة حشاد ان تكون في قلب المشهد القادم اذا احسنت انتقالها القيادي والمضموني في افق نقابي بنسغ يسار التاريخ الديمقراطي الوطني الديكولونيالي المؤصل في عمق هوية المؤسسين من الطاهر الحداد الى بن عاشور وحشاد وصولا الى بن صالح والتليلي وعاشور.