قال لها ابوها وهي تلتحق بشعبة " ما بعد الحداثة " في الكلية : انت تضيعين وقتك ...اجابته بتمرد : انت لا تعرف شيئا عن هذا الموضوع ( اش تفهم منو ) ...قال : " لا أعرف شيئا؟ انا من اخترعته .
هذا من أحلى المشاكسات التي قرأتها بين اب وابنته ...اوردته نجلاء بنت ادوارد سعيد في احلى مقالاتها عن سيرتها الذاتية من اب فلسطيني وام لبنانية يدرسان في جامعة كولومبيا ...هذه الجامعة الرهيبة التي سيحل بها رموز مدرسة فرانكفورت بعد ان انتقلوا اليها من المانيا في فترة الحرب وسيطبعونها بمزاجهم الفلسفي الذي بقي مسيطرا عليها حتى الان …
تقول نجلاء في هذا المقال "كان أبي "أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا". تعلمت أن أنطق هذا اللقب ذا الوقع الرائع وأنا في الرابعة من عمري، على الرغم من أنه لم تكن لديّ فكرة عما يعنيه اللقب. عندما كان يسألني الناس عن مهنة أبي كنت أعصر ذهني وفصاحتي حتى أشرحه."
وتضيف انها عاشت في منزل متواضع تملؤه الكتب و غليونات ادوارد الملقاة في كل مكان وكان المنزل قبلة لكبار المفكرين ...تشومسكي وغيره ...وللمقاومين الفلسطينيين ...لا شك ان محمود درويش كتب قصيدته "طباق" عن ادوارد سعيد هناك ...
في حديقة جامعة "كولومبيا" هذه التي تقف فيها نجلاء اليوم تخطب في جموع الطلاب كانت تلعب وهي طفلة "في إجازات نهاية الأسبوع. وكنت أعرف أيضا أن أبي يقوم بشيء ما في المكتب الموجود بحديقة الجامعة." هكذا قالت في مقال سيرتها ثم اضافت "ابي، بالنسبة لفائقي الذكاء، هو "أب الدراسات ما بعد الكولونيالية وهو، بالنسبة للآخرين، مؤلف "الاستشراق"، الكتاب الذي قرأه كل الناس في نقطة معينة بالدراسة الجامعية، سواء التحقوا بدراسة التاريخ أو السياسة أو البوذية أو الآداب. كتبه وأنا في في الرابعة من عمري.....كما شرح لي مرة، عندما ضغطت عليه أن يوضح الكتاب بلغة بسيطة:قال "المبدأ الأساسي في الكتاب هو... أن (الشرق)، تاريخيا ومن خلال الأدب والفن، وكما كان يُرى بالأعين الغربية، يصير مشوها، وبالتالي فأي شيء (مختلف) عما نألفه كغربيين، لا يكون فقط غريبا وغامضا وحسيا ولكنه أيضا أدنى قيمة طوال الوقت"
تقول نجلاء باعتزاز ( " بسبب أبي، بشكل رئيسي، صار الناس يقولون "أمريكي آسيوي" بدلا من "شرقي".) وتعلن بكل تصميم " هو، لدى آخرين، رمز تقرير المصير الفلسطيني، المدافع عن حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية. هو "الإنساني" الذي يقول الحقيقة في مواجهة السلطة ولكن رغم ذلك يصر بعض الناس على أن يقولوا إنه "إرهابي"، على الرغم من أن من يعرفه يدرك أن ذلك لا يُصَدَّق إلا بقدر ما يصدُق القول عن غاندي إنه "إرهابي".
بنت "الرجل الأنيق الذي يرتدي بدلا من ثلاث قطع يحيكها له خياط في لندن." والكلام لنجلاء التي تقول عنه ايضا بفخر "الرجل الوسيم العجوز الذي كان يصيح في وجهي بلكنته الإنجليزية الأمريكية المهجنة وبعد خمس دقائق ينسى سبب انزعاجه. الرجل الذي كان يحضر لي الهدايا من كل أنحاء العالم، ويتحدث معي عن رواية "جين إير" ـ كتابي المفضل عندما كنت في الثانية عشر ـ والذي كان يحتضنني عندما أبكي... كان يلعب التنس والإسكواش، ويقود سيارة فولفو، ويدخن الغليون، ويجمع الأقلام. كان أستاذا، وكان أبي...."
بنت هذا الرجل هي التي تظهر الان في الصورة وهي تلقي كلمتها من اجل فلسطين تحت سمع الاساتذة من تلاميذ ابيها والطلبة الذين سيقرؤون كتب ابيها … نجلاء إدوارد سعيد في وقفة انخراط في احتجاجات طلبة جامعة كولومبيا…انه زمن ادوارد سعيد اذ يزهر ….