من الواضح ان الحزبين الرئيسيين في ما يعرف بالحزام البرلماني لحكومة المشيشي يتجهان الى " التحزيب الواضح للحكومة " . أستعمل مصطلح " التحزيب " لا " التسييس " فأنا أقدر ان حكومة المشيشي و على عكس ما تدعيه هي في صورتها الحالية سياسية بامتياز و قد اعتبرتها باستمرار حكومة "طلبة التجمع " كناية على الفاعلين الاساسيين في محيطها الاستشاري بالقصبة و في المواقع الاساسية مركزيا و جهويا و محليا في علاقة برئيس كتلة الاصلاح حسونة الناصفي و حزب تحيا تونس بقيادة يوسف الشاهد الذي حافظت حكومة المشيشي على اغلب تعييناته التي لم تراجعها حكومة الفخفاخ …
و اذا استثنينا التعيين الاخير للسيد اسامة الخريجي المحمول على حركة النهضة رغم ما اعرفه عن الرجل من استقلالية يمكن القول ان حكومة المشيشي ولدت و استمرت سياسية بامتياز رغم مظهرها " التكنوقراطي " .
شكل تحزيب الحكومة يمثل اليوم مدار خلاف وسط حركة النهضة نفسها من جهة و بين النهضة و قلب تونس من جهة اخرى .اذ يميل قلب تونس و بعض من قيادات النهضة الى ازاحة المشيشي و تسييس الحكومة كليا في حين يبدو ان الرأي الغالب لدى النهضة هو المحافظة على المشيشي لما يمكن ان يدفع اليه تغييره من تعقيدات اجرائية و الذهاب الى تحزيب تدريجي يتسع لكل من يرى نفسه في الحكومة القادمة .و لكن هذا الراي الاخير قد يتغير اذا ما حصلت تحولات تسمح بذهاب المشيشي و اعداد خلفه دون تعقيدات بين الاستقالة او سحب الثقة .
الحكومة المتحزبة التي تهتم بمعالجة الوضع المالي المختل و تتجند في مواجهة الوباء و تذهب نحو انعاش اقتصادي و انقاذ اجتماعي نسبي يخفف القلق و الاحتقان تبدو حسب تقدير نهضة / قلب ضرورة ضاغطة في وضع يتطلب حسب رايهما تغييرا عاجلا و اعادة تحريك لستاتيكو صار يقضم باطراد من رصيدهما و يجعل وضع الادارة الخاوية للازمة مجرد تعميق لاحتقان يستفيد منه خصومهما في المعارضة و يضع اوزار فشل حكومة على اكتافهما دون ان تكون حكومتهما " على بز. و معناه " كما يقول القياديون في الحزبين .
هذه الحكومة المفترضة. تبدو عمليا متمتعة منذ الان بقاعدة نيابية لا تقل عن 120 نائب تم اختبار التزامهم في التصويت على مشاريع خلافية تفرز الصفوف مثل قانون مقر الصندوق القطري و من المتوقع ان تتوسع هذه القاعدة البرلمانية للحكومة كلما بات التوجه نحو الحكومة " السياسية " امرا جديا حيث سيلتحق كثير من المترددين الجالسين في المنزلة بين المنزلتين و حيث قد تشهد عدد من الكتل حركية فارقة قد تصل الى تصدع او انسلاخات او اعادة تركيب للالتحاق بائتلاف الحكومة المسيسة .
لكن هذا لا يمنع وجود جملة من الصعوبات التي قد تواجه هذا الخيار و اساسا موقف رئيس الجمهورية اولا و ثانيا امكانية انتفاض " المنظومة الحالية " للطلبة و الاكاديمية التي تحتكم على كثير من اوراق الضغط و القوة في الادارة و الاعلام و الحزام المالي كما تملك القدرة على تخويف المشيشي و تاليبه على هذا الخيار بما يدفعه الى قلب الطاولة الا اذا تمكن قلب تونس و قياداته التجمعية اساسا من اقناع اصدقائهم المنتشرين على الاحزاب و الكتل لإعادة بناء الجسم الكبير للمنظومة في صورة نداء 2 او اعتبار تحزيب الحكومة مدخلا لهذا البناء فلا يخسر التنظيم و لا ينقص من رصيد الاكاديمية في عملية التدوير السياسي للحكومة .
الاتحاد العام التونسي للشغل يبدو موقفه ايضا وازنا و محددا في مدى نجاح هذا الخيار او اعاقته رغم ان التوجه العام لكل الفاعلين الجديين سياسيا و اجتماعيا لا يرتاحون لاستمرار الوضع على ما هو عليه بحكومة متكررة بلا ملامح و ان كانت وجهات النظر في شكل البديل مختلفة .
المانحون الدوليون و القوى المعنية باستقرار تونس يدفعون بدورهم نحو وضعية " سياسية " واضحة تتجاوز هذا الغموض الذي تبدو فيه كل الاخطاء و مظاهر الفشل التي ترتكبها منظومة الحكم الحالية يتيمة بلا اب في وقت تبدو فيه مؤسسات الدولة التونسية و بالخصوص راساها التنفيذيان في حالة صراع و انقسام خطيرين لا وجود فيه لعنوان واضح يتم التعاطي معه.
لن يتأخر حسم الخيار كثيرا و نتوقع ان يكون هذا الصيف موعد ترتيب السنة السياسية القادمة و لا تبدو حالة الشد و الجذب و سخونة الجبهات الا مؤشرا على قرب البت في الوجهة المقبلة ....لكن كل شيء وارد في مسار انتقال عسير .