كيف نحول المحن الى منح ؟
بين حساب الدكتور منذر الونيسي وصحة نسبة تدويناته اليه والغرق في تفاصيل التبرير قد تضيع فرصة نقاش عميق وبناء داخل الحركة الديمقراطية الوطنية وفي قلبها التيار الاسلامي الديمقراطي الذي تبلور مع الحركة التونسية الأم لهذا التيار اي النهضة .
لا شيء يثير خجلا او فزعا - لحركة النهضة ولا للشارع الديمقراطي الذي استلمت قيادته جبهة الخلاص بعد مواطنون - الافصاح عن حيوية النقاش داخل الحزب الاكبر في الجبهة الديمقراطية المقاومة للانقلاب بين رؤى واساليب وتصورات تتفاوت في الشدة والمرونة و تتباين في السقوف وتقدير الموقف وفي تحديد طبيعة الحكم الحالي وامكانية التمييز من عدمه بين الدولة والسلطة وبين النظام والشقوق.
الحركة الديمقراطية الجديدة التي ستبنى حتما بعد المحنة العسيرة التي مر بها الانتقال الديمقراطي يجب ان تجعل من الجدل العميق داخل مكوناتها الحزبية اضافة ايجابية لها ولعل ما يثيره الان مناضلو الحزب الاكبر من نقاشات مع المسؤول على تسيير حركتهم بالنيابة حول اسلوبه في العمل والتقدير يمكن ان يتحول الى مكسب نظري وعملي للبناء المستقبلي للحركة الديمقراطية اذا نظرنا اليه ضمن ديناميات الاجسام الحية والمتحركة وضمن ازمات التحول او طفرات النمو .
منذ عقود كان يمثل الموقف من حركة النهضة والتيار الاسلامي في المشهد الديمقراطي هو مدار الفرز بين الديمقراطي الحقيقي والديمقراطي المزيف الاستبعادي والاقصائي وقد حسمت حركة 18 اكتوبر2005 هذا الفرز الخلاق واسست له نظريا بين الديمقراطي العضوي و الديمقراطي الوظيفي ، ومنذ الثورة التي منحت هذا الحزب مكانته وحقه في العمل حكما ومعارضة اصبح الجدل داخل النهضة والتيار الاسلامي عموما شأنا وطنيا لأن مخرجات الجدل هذا سيكون لها انعكاساتها على الساحة الوطنية فالنهضة هي التيار الاكبر بعد نهاية وحدة الدساترة وكل جدل داخلها يهم البلاد سواء كان جدل تنظيم وتسيير وادارة ديمقراطية للشأن الحزبي او جدل تفكير يخص علاقة الفكر السياسي الاسلامي بالديمقراطية .
قلت في حلقة من سلسلة مقالات اخيرة ان الشأن النهضاوي فكرا وانتظاما وانتقالا قياديا يهم الحركة الديمقراطية الوطنية الجديدة التي نعتبر انها بصدد التشكل منذ لحظة اعلان مقاومة الانقلاب على المسار بقيادة مواطنون وصولا الى تشكل الجبهة ومما لا شك فيه ان وضع النهضة ومراجعاتها ومستقبلها يهم البلاد والحركة الديمقراطية راهنا ومستقبلا مثلما كان وضع الحزب الدستوري وتطورات الحراك داخله يهم التونسيين والمشتغلين بالشأن العام في سبعينات القرن الماضي .
لا يضير حركة النهضة مثل هذا الجدل الخلاق ومن واجب الاطار الكبير الذي توجد داخله الان : شارعنا الديمقراطي ونخبه ومفكريه وجبهة الخلاص ان يكونوا عناصر تفعيل وتأويج لهذا الجدل فما يهم الحزب ينعكس على الشأن الوطني . المتابعة والمساهمة الفعالة بعيدا عن الاصطفافات السطحية فموضوع النقاش حاليا هو في جوهره سؤال الحركة الديمقراطية : تقدير الموقف وبناء الاستراتيجيات ..الحوار الوطني ام القطيعة …اعداد البناء ام تحمل ضريبة الهدامين …هذه اسئلة الحركة الديمقراطية بالأساس وجوابها تفكير هادئ ونقاش بناء تساهم فيه نخب تسترشد بآرائهم الاحزاب وليس جوابها اصطفافات وتحريض خطوط على بعضها بعضا .
الحركة الديمقراطية الوطنية الجديدة كما نعرفها في تصورنا الذي تبلور في سنتي الملحمة والفرز بقيادة مواطنون ثم الجبهة هي الحركة التي ستبنى على دروس واستخلاصات عميقة وسوف يكون لها نصها وعرضها السياسي العميق نظرا لما أظهرته وافرزته سنتا الملحمة العظيمة في مقاومة الانقلاب من نخب فكرية متألقة وقيادات سياسية مبدئية متحزبة ومستقلة وجماهير مثقفة سياسيا ومصممة نضاليا وقادرة باستمرار على التجديد.
نصر دون دغمائية او اقصاء او مصادرة على المستقبل ان شارعنا الديمقراطي حاليا هو الحركة الديمقراطية الحقيقية التي تختزن نضالات الماضي وصمود الحاضر وتملك قدرة تجديد المستقبل وبدائله الوطنية فهو الشارع الممثل لكل تونس بتياراتها الكبرى السيادية الديكولونيالية الديمقراطية من اسلامية مؤصلة الى علمانية يسارية وليبيرالية اجتماعية منغرسة في ثقافتها وهويتها ما جعل شارع مواطنون ثم جبهة الخلاص هو فعلا شارع تونس الديمقراطية المتعددة التي قرات الدرس وستكتب بديل الوطن مستقبلا لكننا نرى ان هذا التحديد الذاتي لهوية حركتنا لا يمنع شراكة في المشروع الوطني الكبير مع تيارات الدولة الوطنية وروحها التاريخي من دساترة او يسار وطني وكل التيارات التي يهمها تصحيح مسارات الشعوب لكن بالجنوح الى الديمقراطية وهذا مقصودنا بالتمسك بالحوار والتسويات الكبيرة حتى مع من راجع او يريد تصحيح سوء الفهم ممن انخرط في تدمير الديمقراطية ومخرجات الانتقال واكتشف انه وضع الدولة خارج الشرعية والاجماع الوطني….هنا يصبح النقاش اعمق من تبسيطات السطحيين وهنا يكون توجيه النقاش والتنوع داخل مكونات النهضة او داخل الحكم ومكونات الدولة الى وجهته المنتجة ….وسنعمل على ذلك .